مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١).
فالتّعبير بكلمة دَسّاها ، والتي هي في الأصلِ بمعني : خلطُ الشيّءِ بشيءٍ آخر غير مرغوب فيه من غير جنسه ، مثل «دسّ الحنطة بالتراب» ، يبيّن لنا أنّ الطّبيعة الإنسانيّة مجبولةٌ على الصفاء والنّقاوة والتقوى ، والتلويث ، والرذائل تعرض عليها من الخارج وتنفذ فيها ، والاثنان قابلان للتّغير والتّبدل.
نقرأ في الآية (٣٤) من سورة فُصّلت : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
تُبيّن لنا هذهِ الآية أنّ العداوات المتأصّلة والمتجذّرة في الإنسان : بالمحبّة والسّلوك السليم ، يمكن أن تتغير وتتبدل إلى صداقةٍ حميمةٍ بالتّحرك في طريق المحبّة والسّلوكيات السليمة ، ولو كانت الأخلاق غير قابلةٍ للتغير ، لما أمكن الأمر بذلك.
ونجد في هذا المجال أحاديث إسلامية ، تؤكّد هذا المعنى أيضاً ، من قبيل الأحاديث التالية :
١ ـ الحديث المعروف الذي يقول : «إنّما بُعثتُ لُاتمم مكارم الاخلاق» (٢) هو دليل ساطعٌ على إمكانيّة تغيير الصّفات الأخلاقيّة.
٢ ـ الأحاديث الكثيرة التي تحث الإنسان على حسن الخُلق ، كالحديث النّبوي الشريف الآتي : «لَو يَعلَمُ العَبدُ ما فِي حُسنِ الخُلقِ لَعَلِمَ أَنّهُ يَحتاجُ أن يكونَ لَهُ خُلقٌ حسنٌ» (٣).
٣ ـ وكذلك الحديث النبوي الشريف الآخر حيث يقول :
«الخُلقُ الحسنُ نِصفُ الدِّينِ» (٤).
٤ ـ نقرأ في حديثٍ عن أمير المؤمنين عليهالسلام : «الخُلقُ الَمحمُودُ مِن ثِمارِ العَقلِ وَالخُلقُ المَذمُومُ مِن ثِمارِ الجُهلِ» (٥).
__________________
١ ـ سورة الشّمس ، الآية ٩ و ١٠.
٢ ـ سفينة البحار (مادة خلق).
٣ ـ بحار الأنوار ، ج ١٠ ، ص ٣٦٩.
٤ ـ بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ٣٨٥.
٥ ـ غرر الحكم ، ١٢٨٠ ـ ١٢٨١.