كَيفَ ذَلِكَ يا بنَ رَسُولِ الله صلىاللهعليهوآله؟ قَالَ : لِأَنّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ما بَعَثَ الأَنْبِياءَ وَالأَوصياءَ بِالسُّكُوتِ ، إِنَّما بَعَثَهُم بِالكِلامِ ، وَلا اسْتَحَقَّتِ الجَنَّةُ بِالسُّكُوتِ وَلا اسْتَوجَبَتْ وِلايَةً بِالسُّكُوتِ ولا تِوَقِّيتِ النّارُ بِالسُّكُوتِ إِنَّما ذَلِكَ كُلُّهُ بِالكَلامِ ، وَما كُنْتُ لِأعدِلَ القَمَرَ بِالشَّمْسِ إِنَّكَ تَصِفُ فَضْلَ السُّكُوتِ بِالكَلامِ وَلَسْتَ تَصِفُ فَضْلَ الكَلامِ بِالسُّكُوتِ» (١).
أجل لا شك أنّ لكلٍّ من الصّمت والكلام ، محاسنه ومَساويه ، والحقّ أنّ إيجابيات الكلام أكثر ، ولكن متى؟ ، فقط : عند ما يصل الإنسان ، إلى مراحل سامية من التّهذيب للنفس ، في معراج الكمال المعنوي ، وأمّا من كان في بداية الطّريق ، فعليه التّحلي بالسّكوت رَيْثَما تتعمق في نفسه تلك الملكات الرّوحانية ، التي يكتسبها الإنسان في حركة الانفتاح على الله ، أو كما يُقال ، ريثما يملك السّالك لسانه عن ممارسة اللّغو والكلام الباطل ، وبعدها يجلس لِلوَعظ والإرشاد.
وبالإمكان بيان معيارٍ جيّدٍ لهذه الحالة ، فنحن إذا أردنا في يومٍ من الأيّام ، تسجيل ما يصدر منّا من كلماتٍ وألفاظٍ على آلة التسجيل ، ثم أصغينا لهذه الأحاديث والكلمات ، منِ موقع الإنصاف وبعيداً عن التّعصب ، فَسَنرى الشّريط ملىءٌ بالتّفاهات والتّرّهات ، ولن يبقى من الكلام المفيد إلّا كلماتً أو جملاً قليلةً ، تتعلق بالغايات الإلهيّة والحاجات الضرورية ، في حركة الحياة والواقع العملي.
ويبقى أمرٌ أخير ، تجدر الإشارة إليه ، أَلا وهو ، أنّ «الصّمت» و «السّكوت» وَردا بمعنى واحد في معاجم اللّغة ، ولكن بعض علماء الأخلاق ذهب إلى وجود فرق بينهما ، فان السّكوت هو التّرك المُطلق للكلام ، والصّمت هو التّرك المقصود للكلام الزائد واللّغو ، أي : «تركُك ما لا يُعينك» ، وهدف السّالك الحقيقي في إطار تهذيب النّفس ، والسّلوك المعنوي ينسجم مع : [الصّمت] لا [السّكوت].
إصلاح اللّسان :
ما تقدم آنفاً من أهمية السّكوت أو الصّمت ، ودوره في تهذيب النّفوس ، والأخلاق في
__________________
١ ـ بحار الانوار ، ج ٦٨ ، ص ٢٧٤.