والجماعات البشريّة.
فليس عجيباً عند ما يتحدث عنها القرآن الكريم ، ويقول أنّها أعظم النعم؟
والجدير بالذكر ، أنّ الآية الكريمة ذكرت الشّفتين إلى جانب اللّسان ، فهما في الحقيقة يُساعدان اللّسان في التّلفظ بالكثير من الحروف ، وتنظيم الأصوات والكلمات في عمليّة التّكلم.
ومن جهةٍ اخرى فإنّ الشّفتين ، أفضل وسيلة للسّيطرة على اللّسان ، كما حدّثنا بذلك رسولنا الكريم صلىاللهعليهوآله ، عن الباري تعالى ، أنّه قال : «يا ابنَ آدَمَ إِنْ نازَعكَ لِسانُكَ فِى ما حَرَّمَتُ عَلَيكَ فَقَدْ أَعَنْتُكَ بِطَبَقَتَينِ فأطْبِق» (١).
وفي بداية سورة الرّحمان : (الآيات ١ ـ ٤) ، يشير سُبحانه إلى نعمة البيان ، التي هي ثمرة من ثمرات اللّسان ، وبعد ذكر إسم «الرّحمان» ، التي وسعت رحمته كلّ شيءٍ ، يشير سُبحانه إلى أهمّ وأفضلّ المواهب الإلهيّة ، يعني القرآن الكريم ، ثم خلقة الإنسان ، ثم يعرّج على موهبة البيان لدى الإنسان : (الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ).
وبناءاً عليه فإنّ نعمة البيان ، هي أهمّ موهبةٍ أعطاها الله سبحانه ، لعباده بعد خلقهم.
وإذا ما أردنا أن نستعرض دور البيان ، في تكامل ورُقي الإنسان ، ودوره الفاعل في بناء الحضارة الإنسانيّة ، عندها سنكون على يقينِ بأنّه لو لا تلك النّعمة الإلهيّة ، والموهبة الربّانية ، لما إستطاع الإنسان أن ينقل خبراته وتجاربه للأجيال المتعاقبة ، ولما تقدّم العِلم ، ولما إنتشر الدّين والأخلاق والحضارات بين الامم السّابقة واللّاحقة.
ولنتصور أنّ الإنسان ، في يوم من الأيّام ، سيفقد هذه الموهبة ، فممّا لا شك فيه أنّ المجتمع البشري ، سيعود في ذلك اليوم إلى أجواء التّخلف الحضاري ، والإنحطاط في جميع الصُّعد.
عُنصر «البيان» ، تتوفر فيه أداةٌ ونتيجةٌ ، وبما أنّنا إعتدنا عليه ، فلذلك نتعامل مع هذه الظّاهرة من موقع اللّامبالاة وعدم الإهتمام ، لكنّ الحقيقة هي غير ذلك ، فهو عملٌ دقيقٌ معقّدٌ فنّيٌ لا مثيل له ولا نظير. لأنّه من جهة ، تتعاون الأجهزة الصوتيّة فيما بينها ، من الرئة إلى الهواء الداخل إلى الأوتار الصوتيّة ، والتي بدورها تتعاون ، مع : اللّسان والشّفتان والأسنان والحلق
__________________
١ ـ مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٩٤ ، ذيل الآية المبحوثة ، نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥١٨.