ففي بداية الكلام ، وتحت عنوان : «كتاب آفات اللّسان» ، يقول :
(فإنّ اللّسان من نعم الله العظيمة ، ومن لطائف صُنعه الغريبة ، فإنّه صغيرٌ جرمه ، عظيمٌ طاعته وجرمه ، إذ لا يستبين الكفر والإيمان ، إلّا بشهادة اللّسان ، وهما غاية الطّاعة والطغّيان ، ثمّ إنّه ما من موجودٍ أو معدومٍ ، خالق أو مخلوق ، متخيّل أو معلوم ، مظنون أو موهوم إلّا واللّسان يتناوله ، ويتعرّض له بإثباتٍ أو نفي ، فإنّ كلّ ما يتناوله العلم ، يُعرب عنه اللّسان ، إمّا بحقّ أو باطلٍ ، ولا شيء إلّا والعلم متناول له ، وهذه خاصيّة لا توجد في سائر الأعضاء ، فإنّ العين لا تصل إلى غير الألوان والصّور ، والأذن لا تصل إلى غير الأصوات ، واليد لا تصل إلى غير الأجسام ، وكذا سائر الأعضاء ، واللّسان رَحب الميدان ، ليس له مردّ ولا لمجاله مُنتهى ولا حدّ ، فله في الخير مجال رَحب ، وله في الشرّ مجرى سحب ، فمن أطلق عذبة اللّسان وأهمله مرخى العِنان ، سَلك به الشّيطان في كلّ ميدان ، وساقه إلى شفا جرفٍ هار). (١)
علاقة اللّسان بالفكر والأخلاق :
لا شك أنّ اللّسان هو نافذة الرّوح ، وهو يعني أنّ شخصيّة الإنسان مخبوءةٌ تحت لِسانِه ، وبالعكس فإنّ كلمات كلّ إنسانٍ لها دورٌ في بلورة وصياغة روحه ونفسيّته ، فالتّأثير بين الكلام وشخصيّة المتكلم ، هو تأثيرٌ مُتقابلٌ.
والآية الوحيدة التي تناولت ، علاقة اللّسان بالفكر والأخلاق ، هي الآية (٣٠) من سورة محمد صلىاللهعليهوآله ، بالشّكل الذي يشخّص معها الإنسان ، ما يدور في خُلد طَرفه المقابل ، عن طريق حديثه وكلامه معه ، ولذلك فإنّ الإنسان ، سعى قديماً وحديثاً للتّركيز على هذا الأمر ، لمعرفة خبايا وبواطن الرّجال عن طريق المحادثة والطّب النّفسي ، فنقرأ في هذه الآية ، التي نزلت لتفضح المنافقين ، قوله تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ).
وعلى حدّ تعريف الرّاغب ، في : «مفردات القرآن» ، أنّ معنى «اللّحن» ، هو الخطأ في الإعراب ، أو الانحراف عن قواعد اللّغة ، أو قلب الكلام من الصّراحة إلى الكناية ، و
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء ، ج ٥ ، ص ١٩٠.