أدلّة مُؤيّدي نظرية ثبات الأخلاق ، وعَدم تغيّرها :
وفي مقابل ما ذكرناه آنفاً ، إستدلّ البعض برواياتٍ يظهر منها أنّ الأخلاق غير قابلةٍ للتغيير ، ومنها :
١ ـ الحديث المعروف الوارد عن الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، حيث قال :
«النّاسُ مَعادِنٌ كَمَعادِنِ الذَّهبِ وَالفِضَّةِ ، خِيارُهُم فِي الجَاهِليّةِ خِيارُهُم فِي الإسلامِ».
٢ ـ الحديث الآخر الوارد أيضاً عن الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله :
«إذا سَمِعتُم أَنَّ جَبَلاً زالَ عَن مَكانِهِ فَصدِّقُوهُ ، وَإذا سَمِعتُم بِرَجُلٍ زَالَ عَن خُلقِهِ فَلا تُصَدِّقُوهُ! فإنَّهُ سَيعُودُ إلى ما جُبِلَ عَلَيهِ» (١).
الجواب :
إنّ تفسير مثل هذهِ الروايات ، وبالنّظر للأدلة السّابقة ، والروايات التي تصرّح بإمكانية تغير الأخلاق ، ليس بالأمر العسير ، لأنّ النّقطة المهمّة والمقبولة في المسألة ، أنّ نفوس الناس بالطبع متفاوتة ، فبعضها من ذَهبٍ والبعض الآخر من فضّةٍ ، ولكنّ هذا لا يدلّ على عدم إمكانية تغيير هذه النفوس والطبائع.
وبعبارةٍ اخرَى : إنّ مثل هذهِ الصّفات النّفسية في حدّ المقتضي : ليس علّةً تامّةً ، ولذلك رأينا وبالتجربة أشخاصاً تغيّرت أخلاقهم بالكامل ، ويعود الفضل في ذلك للتربية والتعليم.
وعلاوةً على ذلك ، إنّنا إذا أردنا أن نعمّم الحكم ، في الحديث الشّريف ، على جميع النّاس ، فهذا يعني أنّهم كلّهم ذَووا خُلقٍ حَسنٍ. فبعضهم حسنٌ والبعض الآخر أحسَن ، (كما هو الحال في الذّهب والفضّة). وعليه فَلَن يبقى مكانٌ للأخلاق السّيئة في طبع الإنسان. (فتأمّل).
وبالنّسبة للحديث الثاني ، نرى أنّ المسألة أيضاً هي من باب المُقتضي ، وليس علّةً تامّةً ، أو بعبارة اخرَى : إنّ الحديث ناظرٌ لأغلبية الناس ، وليس جميعهم ، وإلّا لخالف مضمون الحديث ، صريح التّأريخ ، الذي حكى لنا قَصصاً حقيقيّةً عن أفرادٍ إستطاعوا تغيير أنفسهم
__________________
١ ـ جامع السّعادات ، ج ١ ، ص ٢٤.