مراتب الكمال المعنوي ، وآفاق المَثل الإنسانيّة.
وإذا أضفنا إلى ذلك كلّه هذه الحقيقة ، وهي أنّ الرّذائل تقلب حلاوة السعادة إلى مرارة الشّقاء ، وتجرّ البشريّة إلى حيث الويلات والدّمار ، فعندها ستتّضح مدى الأهميّة القُصوى ، لمعرفة النّفس في حياة الإنسان والمجتمع البشري.
وقد وَرد في كتاب : «إعجاز الطبّ النّفسي» ، للكاتب «كارل منينجر» : (معرفة النّفس عبارة عن الإحاطة بقوى الخير والمحبّة ، ومعرفة عناصر الشّر والكراهيّة في النفس الإنسانيّة ، وأيّ تجاهلٍ وتغافلٍ عن وجود هذه القوى والعناصر في أنفسنا ، وفي الغير ، بإمكانه أن يُعرّض اسس الحياة للإهتزاز والخلَل) (١).
وفي كتاب : «الإنسان ذلك المجهول» ، وردت جملةٌ تعتبر شاهداً حيّاً على مدّعانا ، فيقول : (لسوء الحظ فإنّ الإنسان المعاصر ، لم يتحرّك على مستوى التّعرف على نفسه ، إلى جانب التّقدم الصّناعي والتّطور العلمي ، ولم يوفّق برنامج الحياة ، وفق واقعه الطّبيعي ، والفِطري ، لذلك فَمع ما في الحياة العصريّة من زينةٍ وتفاخرٍ ، لكنّها لم توصل الإنسان للسّعادة المنشودة ، فالتّقدم الذي حصل على مستوى العلم والتّكنولوجيا ، لم يحصل بتدبيرٍ وتفكيرٍ ، بل حصل عن طريق الصّدفة الَمحضة .. ، فلو ركّز : «غاليلو» و «نيوتن» و «لافوازيه» ، وغيرهم من العلماء على جسم وروح الإنسان ، لربّما تغيّرت الدنيا ، ولمّا أصحبت كما هي عليه الآن» (٢).
وبناءاً عليه ، فإنّ إحدى العقوبات التي أعدّها الباري تعالى ، لِلمُعرضين عن الله من موقع الّتمرد على الحقّ ، وحذّر الباري تعالى ، المسلمين من الوقوع فيها ، هي نسيان النّفس ، والغفلة عن الذّات : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(٣).
٢ ـ معرفة النّفس في الرّوايات الإسلاميّة
وقد أغنتنا الرّوايات الشّريفة ، الواردة عن النّبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، والائمّة الهداة عليهمالسلام ، في هذا
__________________
١ ـ إعجاز الطّب النّفسي ، ص ٦.
٢ ـ الإنسان ذلك المجهول ، ص ٢٢.
٣ ـ سورة الحشر ، الآية ١٩.