تعالى ، في أجواء القلب ، ثم جريان ذكر الله على اللّسان ، فعند ما يرى عجائب خلقته ، ودقائق صنعته ، من أرضٍ وسماءٍ ومخلوقاتٍ ، وما بثّ فيها من دابّةٍ ، سيقول : «العَظَمَةُ للهِ الوَاحِدِ القهَّارِ».
فهذا الذّكر نابعٌ من القلب ، وينبىءُ عن حالةٍ باطنيّةٍ في داخل الإنسان.
ومرّةَ يشهد الإنسان في نفسه ، نوعاً من الحُضور المعنوي لله تعالى ، من دون واسطةٍ ، فيترنّم بأذكارٍ ، مثل «يا سُبُّوحُ وَيا قُدُّسُ» أو «سُبحانَكَ لا إِلَهَ إِلّا أَنْتَ».
وهذا الأذكار القلبيّة ، لها دورها الفاعل في تهذيب النّفوس وتربية الفضائل الأخلاقيّة ، كما عاشت الملائكة هذا النوع من الذّكر ، عند ما شاهدوا آدم عليهالسلام ، وسِعة علمه وإطلّاعه على الأسماء الإلهيّة ، فقالوا : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(١).
وأشار القرآن الكريم ، إلى مراحلٍ من الذّكر ، فقال : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)(٢).
وفي مكانٍ آخر ، يقول : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ)(٣).
ففي الآية الاولى ، نجد تقريراً على مستوى التّوجه لِلذكر اللّفظي العميق ، ثم التّبتل والإنقطاع إلى الله تعالى ، أَيْ : التّحرك من موقع الإبتعاد عن الناس ، والإتصال بالله تعالى في خطّ العبادة والذّكر.
والآية الثّانية : تتحدث عن الذّكر القلبي ، الذي يؤدّي إلى أن يعيش الإنسان ، حالة التّضرع والخوف من الباري تعالى ، في أجواء الذكر الخفي ، فتتحرك عمليّة الذّكر بشكلٍ بطيءٍ من الباطن وتجري على اللّسان.
__________________
١ ـ سورة البقرة ، الآية ٣٢.
٢ ـ سورة المزّمل ، الآية ٨.
٣ ـ سورة الأعراف ، الآية ٢٠٥.