٣ ـ موانع الذّكر
لا توجد موانع تقف في طريق الذّكر اللّفظي ، فيمكن لِلإنسان أن يذكر أسماء وصفات الله الجماليّة والجلاليّة ، ويجريها على لِسانه في أيِّ وقتٍ شاء ، إلّا أن يكون الإنسان مُنشغلاً وغارقاً في الدّنيا ، لدرجةٍ لا يبقى وقتٌ لِلذكر اللّفظي.
أمّا الذّكر القلبي والمعنوي ، فتقف دونه موانعٌ وسدودٌ كثيرةٌ ، أهمّها ما يَكمُنْ في واقع الإنسان نفسه ، فبالرّغم من أنّ الله تبارك وتعالى ، مع الإنسان في كلِّ مكانٍ وزمانٍ ، وأقرب إلينا من كلّ شيءٍ : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(١).
أو كما ورد في الحديث العلوي المشهور : «ما رأَيتُ شَيئاً إلّا وَرَأيتُ اللهَ قَبلَهُ وَبَعدَهُ وَمَعَهُ».
ولكن مع ذلك ، فإنّ كثيراً من أعمال الإنسان وصفاته الشّيطانيّة ، تضع الحُجب على عينه ، فلا يُحسّ بوجود الله تعالى أبداً ، من موقع الحضور والشّهود القلبي ، وكما يقول الإمام السّجاد عليهالسلام ، في دعاء أبي حمزة الثمالي : «وإنَّكَ لا تَحتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إِلّا أَن تَحجُبَهُم الأَعمالُ دُونَكَ» ، وأهم تلك الحُجب ، هي «الأنانيّة» التي تذهل الإنسان عن ذكر ربه.
فالأناني لا يعيش مع الله تعالى من موقع الوُضوح في الرّؤية ، لأنّ الأنانيّة من أنواع الشّرك التي لا تتناسب مع حقيقة التّوحيد!.
ونقرأ في حديثٍ عن عليٍّ عليهالسلام أنّه قال : «كُلُّ ما أَلهى مِنْ ذِكْرِ اللهِ فَهُوَ مِنْ إِبلِيسَ» (٢).
وفي حديث آخر عن عليِّ عليهالسلام أنّه قال : «كُلُّ ما أَلهى عَنْ ذِكْرِ اللهِ فَهُوَ مِنْ المَيسرِ» (٣).
ونعلم أن المَيسر ، جُعِل في القرآن الكريم ، رديفاً لعبادة الأوثان (٤).
ونختم هذا الكلام عن موقع الذّكر ، بحديثٍ عن الرّسول الأكرم ، وقد جاء في معرض تفسيره للآية الكريمة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ، وَ
__________________
١ ـ سورة ق ، الآية ١٦.
٢ ـ ميزان الحكمة ، ج ٢ ، ث ٩٧٥ ، الطّبعة الجديدة مبحث الذّكر.
٣ ـ المصدر السّابق.
٤ ـ راجع الآية ٩٠ من سورة المائدة.