فقال هارون : يا خبيثة ، لعلّكِ سجدت فَنمت فرأيت هذا في مَنامك؟.
قالت : لا والله يا سيّدي ، إلّا قبل سُجودي ، رأيت فسجدت من أجلِ ذلك.
فقال هاورن : إقبض هذه الخبيثة إليك ، فلا يسمع هذا مِنها أحد ، فأقبلت في الصّلاة ، فإذا قيل لها في ذلك ، قالت : هكذا رأيتَ العَبد الصّالح عليهالسلام ، فسئلت عن قولها ، قالت : إنّي لما عَييت من الأمر نادتني الجواري ، يا فلانة أبعدي عن العبد الصّالح ، حتّى ندخل عليه ، فنحن له دونك ، فما زالت كذلك حتّى ماتت ، وذلك قبل موتِ موسى عليهالسلام بأيّامٍ يسيرةٍ (١).
وفي هذه القصّة ، نشاهد نموذجاً آخر من تأثير الإمام عليهالسلام ، في روح تلك الجارية المستعدّة للتّربية والإصلاح الرّوحي ، والهداية في طريق الحقّ والعودة إلى الله تعالى.
والخلاصة : أنّ تاريخ الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، والأئمّة الهداة عليهمالسلام ، حافل بمثل هذه الحوادث ، حيث يتّفق لبعض الأشخاص ، أن يلتقوا مع النّبي أو الإمام ، فينقلب مَساره في حركة الحياة والواقع ويتغيّر كلياً ، ويتحوّل إلى النّقطة المقابلة ، في حين أنّ هذا التغيّر ، ما كان ليحصل بواسطة الأسباب العادية ، بحسب الظّاهر ، وهذا الأمر يدلّ على أنّ الإنسان الكامل ، هو الذي تولى هذه العمليّة التغييريّة ، في هؤلاء الأشخاص من خلال التّصرف والتّدخل في النّفوس ، وهو ما نسمّيه بالولاية التكوينيّة.
ومن المؤكّد أنّ هذه العناية ، واللّطف والتّوجه ، لم يكن إعتباطاً ، بل هو لوجود نقاط قوّة في شخصيّة الفرد المُعتنى به ، لتشمله العناية الإلهيّة ، بواسطة الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، والأئمّة الطّاهرين عليهمالسلام.
كلام العلّامة الشّهيد المطهّري :
نترك الكلام والقَلم هنا ، للعلّامة الشّهيد المطهّري قدسسره ، حيث يقول في كتابه : «ولاءها و
__________________
١ ـ بحار الأنوار ، ج ٤٨ ، ص ٢٣٩ ، نقلاً عن المناقب ، ج ٣ ، ص ٤١٤ ، (مع شيءٍ من التّخليص).