فلا شك أنّ مسألة الولاية ، بمعناها الرّابع ، هي من المسائل العرفانيّة ، ومجرد كونها عرفانيّة ، لا يعني نكرانها بالكامل.
ثمّ يشرح بإسهاب ، معطيات القرب من الله تعالى ، ويستنتج منها ، ما يلي :
فعلى هذا الأساس ، من المحال على الإنسان ، وبعد قربه وطاعتِه للهِ تعالى ، ألّا يصل إلى مقام الملائكة ، بل وأرقى ، أو على الأقل يساوي الملائكة في مقامهم ، الملائكة التي تدبّر وتتصرف في عالم الوجود ، بإذن الله تعالى» (١).
ويمكن أن نخرج من هذا الحديث بنتيجة ، وهي أنّ العلاقة المعنويّة ، والإرتباط بالإنسان الكامل ، يمكن أن يساعد الإنسان في عمليّة التّصرف ، والنّفوذ في حياة الاناس المستعدّين والمتقبلين للإصلاح ، وسوقهم تدريجياً في خطّ التّهذيب الأخلاقي ، وإبعادهم من جو الرّذائل إلى جو الفضائل الأخلاقية والكمالات الروحيّة.
الاستغلال السّيء :
تتعرض المفاهيم البنّاءة والصّحيحة ، للُامم والشّعوب في كلّ زمانٍ ومكانٍ للإستغلال والتّحريف دائماً ، وهذا الإستغلال في الحقيقة لا يؤثر على صحة وقداسة أصل المسألة.
ولم تكن مسألة القدوة الأخلاقيّة في خطّ التربية والتّهذيب ، ولزوم الإستفادة من الاستاذ العامّ والخاصّ ، لأجل السّلوك إلى الله وتهذيب الأخلاق ، مستثناة من هذا الأمر ، فجماعةُ من الصّوفيّة طَرحوا أنفسهم ، بعنوان : «مُرشد» أو «شيخ الطّريقة» و «القُطب» ، ودعوا الناس لإتّباعهم والتّسليم المُطلق إليهم ، بل وتعدّوا الحُدود ، وقالوا إذا ما شاهدتم سلوكاً يصدر من الشّيخ ، مخالفاً للشريعة ، فلا عليك ولا ينبغي عليك الإعتراض ، لأنّ ذلك يخالف روح التّسليم المُطلق للمرشد.
ويُستفاد ومن كلمات «الغزالي» ، المؤيد للصّوفية ، في فصولِ متعددّةٍ من كتابه «إحياء العلوم» ، هذا المعنى أيضاً ، حيث يُشمّ منها رائحة الصوفيّة ، والحقيقة أنّ فِرقاً من الصّوفية ،
__________________
١ ـ كتاب ولاءها وولايتها ، ص ٥٦ ، وما بعدها.