لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) وقال وبكلّ تكبّر وغُرور : (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي).
يعني أنّ الله لا دخل له في وفور النّعمة عليّ ، ولكنّ علمي ودرايتي بالامور هي السّبب في ذلك ؛ وهكذا أودى به الكِبَر والغُرور إلى السّقوط في وادي إنكار الآيات الإلهيّة ، وبالتّالي التّحرك من موقع التعاون مع أعداء الحقّ والعدالة ، وفي لحظةٍ وحادثةٍ عجيبةٍ ، خُسِفَت به وَبِأمواله الأرض.
وهنا نرى كيف أنّ الرّذائل الأخلاقيّة ، بإمكانها تغيير وجوه الأشخاص والمجتمعات ، ومنعهم من الوصول إلى الخير والسّعادة.
والطّريف في الأمر ، أنّنا نقرأ في الآيات التي قبلها ، بأنّ قومه قالوا له : (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ).
ومن البديهي أنّ الإسلام لا يعارض الفرح والسّرور ، ولكنّ المقصود هنا الفرح النّاشيء من الغَفلة والغرور ونِسيان الله تعالى ، والمقترن بالظّلم والفساد ومُمارسة الخطيئة والذي بدوره يجرّ الإنسان لِلعربدة والجُموح والفساد ، وكلّ ذلك منشؤه الصّفات القبيحة التي تضرب بجرانها في القلب.
«الآية السادسة» : نقرأ فيها شكوى النّبي نوح عليهالسلام إلى الباري تعالى ، فنرى في طيّاتها معانٍ تُشير إلى تأثير أعمال الإنسان ، والأخلاق التي تدعم تلك الأعمال ، في الحياة الفرديّة والإجتماعيّة للإنسان ، فيقول : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ* وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً).
وفي الإستمرار في قراءة تلك الآيات ، نرى عصيانهم وتمرّدهم على الأوامر الإلهيّة ، وكذلك تبيّن الآيات صفاتهم القبيحة ، والتي هي بمثابة المنَبع الآسن الذي يمدهم بالذّنوب.
ويمكن القول أنّ ما ذُكر آنفاً ، هو العلاقة المعنويّة والإلهيّة بين الإستغفار وترك الذنوب ، وبين زيادة النعم ، ولا يوجد منع من سراية هذه العلاقة لتشمل البُعد الظّاهري والبُعد المعنوي ، لذلك نقرأ في آيةٍ اخرى من القرآن الكريم : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)(١).
__________________
١ ـ سورة الروم ، الآية ٤١.