وقد ورد هذا المعنى في سورة هود بشكل آخر على لسان الرسول صلىاللهعليهوآله ، في خطابه لُمشركي مكّة : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى)(١).
لا شك أنّ الّتمتع «بالمتاع الحسن» ، لأجلٍ مُسمّى ، هو إشارةٌ إلى المواهب الماديّة الدنيويّة ، فهي رهينة الإستغفار والتّوبة من الذّنب ، والعودة إلى الباري تعالى ، والتّخلق بالأخلاق الحسنة.
ولا شكّ أنّ الصّفات القبيحة هي الأساس والأصل لأنواع الذّنوب ، والذّنوب بدورها سبب لنشر الفساد في المجتمع وتفكيك لِعُرى الوحدة ، وأواصر الصّداقة والاخوّة والاعتماد بين الناس ، وبالتّالي التّأخر في العُمران والّنمو الإقتصادي والرّفاه المادي ، والتّكامل المعنوي وسلامة النّفوس.
وفي «الآية السابعة» : إشارةٌ إلى حالة أهل الكتاب وعصيانهم وطغيانهم ، فيقول : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ).
ونرى هنا أيضاً تقريراً ، للعلاقة الوطيدة بين العمل الصالح والتّقوى من جهةٍ ، ونزول البركة السّماوية والأرضية من جهةٍ اخرى ، وهذه العلاقة يمكن أن تحمل الجانب المعنوي أو الطّبيعي ، أو بالأحرى الإثنين معاً.
نعم فإنّ الفيوضات الإلهيّة لا حدّ لها ، ويتوجب علينا تحصيل الأهليّة والقابليّة ، لنتصل بالمصدر الأصلي للفيض ، ولكن الإفراط والتّفريظ والعُدول عن جادّة الإعتدال والتّوازن ، سوّدت وجه الحياة الإنسانيّة ، وسلبت منها الراحة.
فالحروب المدمّرة تعرّي النفوس الإنسانيّة من الفضيلة والصّلاح ، وتُزهق الثّروات الماديّة والمعنويّة ، وتفضي بالإنسان إلى الزّوال.
__________________
١ ـ سورة هود ، الآية ٣.