الأخلاق والأوامر والنواهي الأخلاقية للعقل العملي ، وينكرون أية علاقة بينهما ، إنطلاقاً من أنّ معرفة العالم والكائنات الطبيعيّة تعتمد على الدلائل المنطقيّة والتجربيّة ، والحال أنّ «الأوامر» و «النّواهي» الأخلاقية ، هي سلسلة من القضايا تحكم السّلوك ، فهؤلاء أغفلوا نقطةً مهمةً ، ألا وهي أنّ الأوامر الأخلاقيّة تصبح حكيمةً ، إذا ما كوّنت لها علاقةً بالعالم الخارجي ، وإلّا فستكون اموراً اعتباريةً فارغةً وغير مقبولةٍ ، ويوجد هنا أمثلةٌ واضحةٌ تبيّن المطلب بصورةٍ جيّدةٍ :
عند ما يُصدر الإسلام حكماً ب : «حرمة شرب الخمر» ، أو في القوانين الدوليّة : حول «خطر المخدرات» ، فهذه أوامر إلهيّة أو بشريّة إستمدت اصولها من سلسلة الكائنات الواقعيّة ، لأنّ الحقيقة المحضة ؛ أنّ الشّراب والمخدّرات لها أثر تخريبي خطر على روح وجسم الإنسان ، فلا يسلم من تأثير هذه المواد الضّارة والمدمّرة أيّ إنسان ، وهذه الحقيقة هي سبب لذلك (الأمر) ، و (النّهي).
وعند ما نقول أنّ الأحكام الإلهيّة ناشئة من المصالح والمفاسد ؛ فإنّنا بالضّبط نستوحي ذلك من خلال القاعدة التي تقول : «كلّما حكم به العقل حكم به الشّرع» ، وهي أيضاً تُقرر وجود علاقة وثيقة بين الواقع والأحكام : (الأوامر والنّواهي).
فما يُشرّع من قوانين في المجالس التّشريعيّة البشريّة ، ودراسة عواقبها الفرديّة والإجتماعيّة ووضع القوانين على أساسها ، يصب في نفس ذلك المصب بالضّبط.
وخلاصة القول : أنّه من الُمحال على الحكيم أن يصدر حكماً بعيداً عن الواقعيات في حياة البشر ، وإلّا فلن يكون قانوناً بل هو لَغو في لَغو ، ولأنّ الواقع هو واحد لا أكثر ، فمن الطّبيعي أن يكون الطريق الصّحيح والمستقيم والقانون الأمثل واحد لا غير ، ممّا يدعونا للسّعي الحثيث لإصابة الحق والواقع والأحكام والقوانين التي نشأت عنها.
إن ما ذُكر آنفاً يبيّن علاقة النّظريات الكليّة ، في مجموعة الوجود وخلق الإنسان بالمسائل الأخلاقيّة ، ومن هنا فإنّ نشوء المذاهب الأخلاقيّة وتنوعها ، يكمن في هذا السبب بالذات.
وبالنّظر إلى ما ذُكر أعلاه ، نستعرض الآن المذاهب الأخلاقية :