أصالة الأخلاق ، ويقلل من قيمتها وقدسيّتها ، ومن ناحيةٍ اخرى فإنّ الإنسان في حالة تقاطع مصلحته مع الأخلاق ، فإنّه سيضرب بالأخلاق عَرض الحائط ، ويتّبع مصلحته الشخصيّة ، الّتي إعتبرها دعامته وأساسه ، في حركة السّلوك الإجتماعي والأخلاقي.
٢ ـ الدّعامة العقليّة
الفلاسفة الّذين يعتقدون بحكومة العقل ولزوم اتّباعِه في كلّ شيء ، يعتبرون دعامة الأخلاق هي إدراك العقل : للقبيح والحسن من الأفعال والصّفات الأخلاقيّة ، فمثلاً يقولون أنّ العقل يُدرك جيّداً أنّ الشّجاعة فضيلةٌ والجبنُ رذيلةٌ ، والأمانةُ والصّدقُ فضيلةٌ وكمالٌ ، والخيانةُ والكذبُ نقصانٌ ، ونفس إدراك العقل لها ، هو الباعث والمحرّك لإتّباع الفضائل وترك الرذائل.
وقال البعض الآخر ، إن إدراك الوجدان هو الأساس ، فيقولون : أنّ الوجدان وهو العقل العملي ، أهمّ شيء في الإنسان ، لأنّ العقل النّظري يمكن أن يُخطيء ، ولكن الوجدان والضّمير ليس كذلك ، وبإمكانه أن يقود البشريّة إلى ساحل الأمن والسّعادة.
وعليه ، وبما أنّ الوجدان يقول : إنّ الأمانة والصّدق والإيثار ، والسّخاء ، والشّجاعة هي امور حسنةٌ وجيّدةٌ ، فهو بمفرده يكون دافعاً ومُحرّكاً ، نحو نيل تلك الأهداف والفضائل.
وكذلك بالنّسبة للبُخل ، والأنانيّة وأمثالها ، فإنّ الوجدان يقول أنّها قبيحة ، وذلك يكفي في الإرتداع عنها وتركها.
وهنا تتحد الدّعامة العقلية والوجدانيّة ، فهما تعبيران مختلفان لحقيقةٍ واحدةٍ.
ولا شكّ أنّ وجود هذا الأساس والدّعامة للأخلاق ، لا يخلو من حقيقةٍ ، وهو في حدّ ذاته دافعٌ حسنٌ للسّعي إلى تربية النّفوس ، وترشيد الفضائل الأخلاقية ، في واقع الإنسان والمجتمع.
ولكن وبالنّظر إلى ما ذكرناه في بحث الوجدان (١) ، فإنّ الوجدان يمكن أن يُخدع ، هذا من جهةٍ ، ومن جهةٍ اخرَى : أنّ الوجدان وبالتّكرار لفعل القبائح والرّذائل ، فإنّه سيأنس بها
__________________
١ ـ الرّجاء الرجوع إلى ، كتاب قادةٍ عظماء ، ص : (٦٣ ـ ١٠٦).