٤ ـ الدّعامة الإلهيّة
من المعلوم أنّ ما ذكر من الدّعامات والأسس ، لا يخلو من واقعيّةٍ على مستوى دفع الإنسان نحو الفضائل الأخلاقيّة ، ولكن وكما أشرنا إليه سابقاً أنّها لا تخلو ولا تسلم من الخطأ والانحراف ، مثل دعامة الإنتفاع والاستغلال التي تأخذ طريقها في أيّ وقت وزمان ، فتارةً تسير مع الأخلاق واخرى تُعارضها.
والبعض الآخر من الدّعامات له قدرةٌ محدودةٌ في تحريك الإنسان ، ومشوبةٌ بالنّقص والقصور ولربّما أخطأت واشتبهت.
والدّافع الوحيد الخالي عن الخطأ والإشتباه ، والعاري من كلّ نقص في دائرة المسائل الأخلاقيّة ، هو الدّافع الإلهي الذي يكون مصدره الله تعالى ، والوحي ، في إطار التّعاليم الدينيّة.
وهنا لا تعتبر الفضائل الأخلاقيّة وسيلةً للإنتفاع والإستغلال ، ولا هي وسيلةٌ للرفاه الإجتماعي ، (وإن كانت الأخلاق قطعاً ، وسيلةً للرّفاه والعمران والهدوء ، وتؤمّن المنافع الماديّة أيضاً).
فالأصالة هنا للدوافع الروحيّة والمعنويّة ، أو بعبارةٍ اخرَى ، أنّ الذّات الإلهيّة المنزّهة ، والّتي هي الكمال المطلق ، ومُطلق الكمال ، وجميع صفاته الجماليّة والجلاليّة ، تكون هي المحور الأصلي للمسألة ، وكلّ إنسان يسعى في المُضي قُدماً ، للوصول إلى الكمال المطلق ، ويتحرّك في حياته المعنوية ، من موقع تفعيل نور أسماء الصّفات الإلهيّة في نفسه ، ليشبهه ويتقرب إليه أكثر وأكثر يوماً ، بعد يوم (وإن كانت ذاته المقدّسة منزهّةً عن الشبيه الحقيقي) ، ويصل إلى الكمال المطلق ، فلا حدّ للكمال هناك ، وبذلك يعيش بكلّ وجوده ، حالة الإستغراق من الحبّ لله تعالى ، والكمال المطلق ، وتُنير وجوده وباطنه ، أنوارُ وصفاتُ الذّات المقدّسة ، بحيث يطلب الكمال والرّقي ، في الدّرجات العليا في كلّ لحظةٍ ، فلا يتقيّد بالمنافع الماديّة ، ولا يطلب الأخلاق للشخصيّة والاحترام ، ولا يكون هدفه الضّمير وحده ، بل لديه هدفٌ أسمى وأعلى من كلّ تلك الامور.
فلا يأخذ معلوماته من العقل والوجدان فقط ، بل يستعين بالوَحي أيضاً ، ليميّز في ظلّه القيم