«إنّ تقوى الله مفتاحُ سَدادٍ ، وذخيرةُ مَعادٍ ، وعتقٌ من كلّ مَلكةٍ ، ونجاةٌ من كلّ هلكةٍ» (١).
وممّا ذُكر آنفاً ، تتجلى الحريّة الحقيقيّة من الكاذبة ، ويتمّ منع إستغلال هذا المفهوم المقدّسُ في طريق الإنحراف والزّيغ ، فلا يحقّ لأحدٍ أن يتذرّع ، بكبتِ الأخلاق لطاقاتِ الإنسان ، ويستشكِل على القِيم الأخلاقيّة.
وممّا تقدّم أيضاً ، تتّضح الإجابة على من يدّعي ، قمع الأخلاق للغرائز ، وأنّ الله تعالى خلق الغرائز في الإنسان ، لتحقيق الغرض منها ، وأشباعها بأدوات الحريّة والتّحرر من قيود الأخلاق.
فالغرائز في الإنسان ، مثلها كمثل قطراتُ المطر ، تنزل من السّماء بِقدرٍ لتُحيي الأرض ، ولو لا فائدتها ، لما أنزلها الباري تعالى ، ولكن هذا لا يعني فسح المجال لتلك القطرات لِتَتجَمَّع ، وتكوّن السّيول لإهلاك الحرث والنّسل ، بل يجب أن تُقام السّدود في طَريقها ، وفتح منافذ صغيرة منها لتمد الحياة البشرية بالماء ، وتكون الفائدة فيها أعمّ وأشمل ، فيما لو سيطر عليها الإنسان ، وأخضعها لضوابط معيّنة ، وكذلك الحال بالنّسبة لغرائز الإنسان ، فإذا اطلق لها العِنان ، فستبُيد كلّ شيٍء أمامها ، وتدّمر كلّ شيٍء في حركةِ الحياة الفرديّة والإجتماعية للإنسان.
ويُستنتج مما ذُكر سابقاً ، أنّ الأخلاق لا تقف سدّاً في طريق الإنسان ، ولا تمنعه من ترشيد قابلياته وملكاته ، ولا تقمع الغرائز في واقعه ، بل إنّ الأخلاق وسيلةٌ للوصول للكمال المنشود ، في حركة الإنسان والحياة.
ومن خلال التّفسير الصّحيح للحرية ، الذي ذكرناه آنفاً تتّضح الإجابة على أسئلة المخالفين للأخلاق.
__________________
١ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ٢٣٠.