الإعتقاد بالجَبر ، وبالمسائل اللأخلاقيّة :
لا شك أنّه يوجد إرتباطٌ وعلاقةٌ وثيقةٌ ، بين الإعتقاد بحريّة الإرادة للإنسان ، و «المسائل الأخلاقيّة» ، وكما أشرنا سابقاً ، أنّ نفي حريّة الإنسان ، هو نفيٌ وتعطيلٌ لجميع المفاهيم الأخلاقيّة.
وبناءً على هذا نجد ، أنّ الأديان الإلهيّة المتعهّدة بتربية وتهذيب النفوس والأخلاق ، من أقوى المدافعين عن حرّية الإنسان!.
وبناءً على هذا أيضاً ، نجد في القرآن الكريم آياتٌ عديدةٌ وكثيرةٌ تبلغ المئات ، تثبّت الإختيار وحريّة الإرادة للإنسان ، وتنفي الجَبر عنه ، وقد ذُكرت في مباحث الجَبر والإختيار (١).
فالأمر والنّهي والتّكاليف الاخرى ، والدّعوة إلى الثّواب والعقاب ، والحساب والمحاكم والقوانين والعقوبات ، كلها امور تؤكّد على مسألة الإختيار ، وحريّة الإرادة عند الإنسان.
وإذا ما شاهدنا بعض الآيات تُوافق مذهب الجَبر ، فهي ناشئةٌ من عدم الإنتباه والتّوجه الصحيح لتفسير تلك الآيات ، فتلك الآيات ناظرةٌ إلى نفي التّفويض ، ولا تثبت الجبر ، والشّاهد عليها هو القرآن الكريم نفسه ، وقد أشرنا إليها سابقاً ، وليس هنا محلّ للبحث فيها.
فالإعتقاد بالجَبر ، وسلب حريّة الإنسان ، يمكن أن يكون عاملاً مهمّاً ، لكلّ تحلّل أخلاقي ، فالُمجرم ولتبرير أفعاله المشينة يتذرّع بالجَبر ، وأنّه لا يستطيع أن يُغيّر مصيره المحتوم عليه ، ولذلك يتحرّك في خطّ الإنحراف ، وينحدر في مُنزلقات المعاصي أكثر ، فالتّاريخ يُحدثنا ، عن مجرمين خاضوا غمار الجريمة ، استناداً إلى مُبّررات مذهب الجَبر ، وكانوا يعذرون أنفسهم ، في إرتكابهم لتلك الأعمال والذّنوب ، ويقولون :
(إذا كنّا صالحين أو طالحين ، فليس لنا من الأمر شيء ، فالُمبدع الأزلي هو الذي زرع فينا ذلك ، وجعل مصيرنا أن نكون من أهل الشّقاء! ، فلا المحسنين لهم الحق بالإفتخار بإحسانهم ،
__________________
١ ـ الرجاء الرجوع إلى التّفسير الأمثل : (الفهرس الموضوعي ص ٩٩) ، وإلى أنوار الأصول ، ج ١ ، بحث الجَبر والإختيار.