وهنا تأمّل في هذا الموضوع ناشيء من هذه الحقيقة ، وهي هل أنّ الصفات الباطنية حتّى لو كانت اختيارية هي محرمة حتّى لو لم تظهر في عمل الإنسان وفعله ، أو تُعتبر صفة أخلاقية تكشف عن انحطاط أخلاقي لذلك الشخص بدون أن تستتبعها حرمة في البين؟
وعلى أيّة حال فإنّ النقطة المقابلة للحسد هي (الغِبطة) وهي أن يتمنّى الإنسان أن تكون له نعمة مثلما للآخرين أو أكثر منها بدون أن يتمنّى زوال تلك النعمة عن الآخر.
ولكن البعض يرى انّ (الغبطة) نوع من الحسد أيضاً ويستشهد لذلك بحديث شريف عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أيضاً (١).
ولكن من الواضح أنّ هذا المعنى ينسجم مع تفسيرنا للحسد بمفهومه الواسع بحيث يشمل كلّ مقارنة لما لدى الفرد من النعم مع ما لدى الآخرين منها ، وهو في الواقع نزاع لفظي ، والمعروف هو ما تقدّم آنفاً من تعريف الحسد.
وعلى أيّة حال فالحسد صفة ذميمة وقبيحة في دائرة الأخلاق ، في حين انّ (الغِبطة) ليس فقط غير مذمومة ، بل محمودة ومطلوبة أيضاً ، وتعتبر سبباً لترقي المجتمع والصعود به في مدارج الكمال كما ذكر ذلك الطريحي في (مجمع البحرين) في مادّة (حَسَدَ).
ونقرأ في حديث عن الإمام الصادق عليهالسلام قوله «انَّ الْمُؤْمِنَ يَغْبُطُ وَلَا يَحْسُدُ ، وَالْمُنَافِقُ يَحْسُدُ وَلَا يَغْبُطُ» (٢).
٢ ـ دوافع الحسد
من المعلوم أنّ الكثير من الصفات الرذيلة تتناغم مع بعضها وبينها تأثير متقابل ، والحسد أيضاً من هذه الصفات حيث ينشأ من صفات قبيحة اخرى ، وهو بنفسه يُعد منبعاً ومصدراً لرذائل كثيرة أيضاً.
ويذكر علماء الأخلاق للحسد منابع كثيرة منها : العداوة والحقد بالنسبة إلى الآخرين
__________________
١ ـ راجع لسان العرب والتحقيق في كلمات القرآن الحكيم.
٢ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٠٧ ، ح ٧.