كما نقرأ هذا المعنى في ما ورد عن المسيح عليهالسلام (انه كان جالساً يوماً في مكان وشاهد شيخاً كبيراً يحرث الأرض بمسحاته ويعمل على سقي الأرض وزراعتها ، فطلب المسيح عليهالسلام من الله تعالى أن يسلب منه الأمل في الحياة : اللهم انزع منه الأمل فوضع الشيخ المسحاة واضطجع فلبث ساعة فقال عيسى اللهم أردد إليه الأمل فقام وجعل يعمل فسأله عيسى عن ذلك فقال بينما أنا أعمل إذ قالت لي نفسي إلى متى تعمل وأنت شيخ كبير فألقيت المسحاة واضطجعت ثمّ قالت لي نفسي والله لا بدّ لك من عيشٍ ما بقيت فقمت إلى مسحاتي (١).
ولهذا السبب فإنّ الأمل ضروريٌ في ايجاد التحرّك أكثر لدى أفراد المجتمع من موقع النظر إلى المستقبل في حركة الحياة.
ولكنّ نفس هذا الأمل الّذي يُعدّ رمز حركة الإنسان وسعيه في حياته الدنيوية والماء الّذي يسقي أرض حياته الميّتة ويُنعش احساساته وعواطفه بغدٍ أفضل ، نفس هذا الأمل إذا تجاوز عن حدّه المرسوم أصبح على شكل سيل مدمّر يأتي على الأخضر واليابس ويُغرق الإنسان في وحل حبّ الدنيا والظلم والجريمة والإثم.
ولهذا نجد أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله يرى في (طول الأمل) أحد العدوّين الشرسين للإنسان ويقول : «إنّ أشد ما أخاف عليكم خِصْلَتَانٌ اتِّبَاعُ الْهَوى وَطُولُ الْامَلِ ، فَامَّا اتِّبَاعُ الْهَوى فَانَّهُ يَعْدِلُ عَنِ الْحَقِّ ، امَّا طُولُ الْامَلِ فَانَّهُ يُحبب الدُّنْيَا» (٢).
وشبيه هذا المعنى بتفاوت يسير ورد أيضاً عن أمير المؤمنين عليهالسلام في نهج البلاغة.
وبهذه الإشارة نعود إلى آيات القرآن الكريم لنستوحي منها نتيجة طول الأمل وأثره في مصير الأقوام السالفة والمجتمعات البشريه بشكل عام :
١ ـ (وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِى الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا
__________________
١ ـ بحار الأنوار ، ج ١٤ ص ٣٢٩ مع التوضيح.
٢ ـ المحجّة البيضاء ، ج ٨ ، ص ٢٤٥.