تعلّقهم الشديد بالدنيا وعاشوا طول الأمل فيها ممّا أورثهم ذلك الغرور والكبر والفخر إلى درجة أنّهم ليس فقط لم يهتمّوا لدعوة أنبيائهم هود وصالح ، بل إنّهم تصدوا لهم بالمخالفة والعدوان.
القرآن الكريم يذكر في الآيات الاولى على لسان النبي صالح عليهالسلام مخاطباً لقومه (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)(١).
وفي «الآية الثانية» يستعرض القرآن حالة قوم (عاد) والّذي سبقت الإشارة إليها في الآية السابقة في الحديث عن قوم ثمود.
وتتحّدث الآية الكريمة على لسان النبي هود عليهالسلام مخاطباً قومه (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ)(٢).
وهنا أراد هو بهذا الكلام أن يُفهم قومه أنّ أحد العلل المهمّة لإنحرافهم عن جادة الصواب وسلوكهم في خطّ الباطل هو اتباعهم للأهواء واعتمادهم على الآمال العريضة والطويلة والّتي أدّت بهم إلى الغفلة عن الله تعالى والفرق في زخارف الدنيا والابتلاء بزبارجها.
(مصانع) جمع مصنع ، بمعنى البناء العظيم والقصر الشامخ والمستحكم ، والأصل لهذه المفردة هي مادّة (صَنَعَ) والّتي تأتي بمعنى أداء العمل الحسن ، وعليه فإنّ (صنع) لا يقال لكلّ عمل ، بل يُطلق على الأعمال الّتي لها امتياز خاص.
إن قوم عاد وثمود تصوّروا بأنّهم وبسبب هذه الأبنية القوية والمجلّلة والقصور الفخمة الّتي أوجدوها في قلب الجبال أنّهم بإمكانهم أن يصونوا أنفسهم من الآفات والحوادث الطبيعية ويخلدوا فيها لسنوات متمادية بعيداً عن كلّ اشكال الشقاء والبؤس.
__________________
١ ـ سورة الأعراف ، الآية ٧٤.
٢ ـ سورة الشعراء ، الآية ١٢٨ و ١٢٩.