أجل فإنّ التكبّر يعدّ حجاباً على بصيرة الإنسان يمنعه من رؤية أيّة قدرة فوق قدرته حتّى أنّه لا يرى قدرة الله تعالى على نفسه وأفعاله.
وتعبير «بغير الحقّ» هو في الواقع قيد توضيحي ، لأنّ التكبّر والاستكبار بالنسبة للإنسان هو بغير حقّ دائماً وبأيّة حالة ، فلا يليق بالإنسان أن يتصرّف من موقع التكبّر ويلبس هذا الرداء الّذي لا يليق إلّا بالقدرة الإلهية المطلقة.
«الآية الخامسة» تتحدّث عن زمان شعيب وقومه ، وهنا نرى أيضاً أنّ السبب الأساسي لشقاء قوم شعيب وضلالهم هو الاستكبار حيث تقول الآية : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ)(١).
لماذا يجب على شعيب والّذين آمنوا معه وسلكوا طريق التقوى والانفتاح على الله أن يخرجوا من ديارهم ومدنهم؟ هل هناك دليل آخر غير تحرّك الأثرياء والمتكبّرين من قوم شعيب في التصدي للدعوة الإلهية والرسالة السماوية ونظرتهم إلى الّذين آمنوا من موقع الاستصغار والاستحقار وبالتالي الانطلاق في سبيل إلغائهم ونفيهم وإبعادهم عن ديارهم؟
أما قولهم (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) فلا يعني أنّ الّذين آمنوا مع شعيب كانوا على ملّة هؤلاء المستكبرين ودينهم ، بل بسبب أنّهم كانوا منسوبين إليهم وإلى هذه المدينة ، ونعلم أنّ التكبّر وحبّ الذات يوجب على الإنسان المتصف بهذه الصفة أن يرى كلّ شيء متعلّقاً به ومن ممتلكاته.
«الآية السادسة» ناظرة إلى عصر موسى وفرعون وقارون ، حيث تتحدّث هذه الآية عن قصة هؤلاء وترى أنّ العامل الأساس لانحراف وضلال وشقاء قوم فرعون هو حالة التكبّر فتقول : (وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ
__________________
١ ـ سورة الأعراف ، الآية ٨٨.