تقول : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)(١).
ثمّ تذكر الدليل والعلّة لهذا التفاوت والفرق بين هاتين الطائفتين وتقول : (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ).
ومن هذه العبارة يتضح جيداً أنّ أحد العوامل الأصلية لعداء اليهود للّذين آمنوا هو حالة التكبّر والاستكبار تجاه الحقّ في حين أنّ أحد أدلّة تعامل النصارى مع المؤمنين من موقع المحبّة واللطف هو عدم وجود هذه الصفة الذميمة في أنفسهم.
إنّ الأشخاص الّذين يعيشون التكبّر والاستكبار يريدون أن يقف الآخرون أمامهم موقف الذلّة والحقارة والعجز ، ولهذا السبب فإنّهم إذا رأوا يوماً نعمة قد أنعم الله بها على الآخرين فإنّهم يجدون في أنفسهم عداءً وكراهية شديدة تجاه هؤلاء الّذين أنعم الله عليهم ، أجل فإنّ الاستكبار هو سبب الحسد والحقد والعداء تجاه الحقّ والناس.
صحيح أنّ هذه الآية لا تتحدّث عن جميع النصارى بل ناظرة إلى النجاشي وقومه في الحبشة الّذين استقبلوا المسلمين المهاجرين إليهم أحسن استقبال ولم يلتفتوا إلى وساوس أزلام قريش الّذين أرسلتهم قريش ليحركوا النجاشي على طرد المسلمين من الحبشة وتسليمهم إلى المشركين ، وهذا الأمر هو الّذي تسبّب في أن يجد المسلمون في أرض الحبشة ملجأً وملاذاً لهم من شر المشركين الّذين كانوا ينصبون لهم أشد العداوة والكراهية ، ولكن الآية على أيّة حال تقرر أنّ الاستكبار هو العامل الأساس للعداوة والبغضاء للحقّ وأهل الحقّ في حين أنّ التواضع يُعد أساساً للمحبّة وتعميق أواصر العلاقة والعاطفة مع أهل الإيمان والخضوع مقابل الحقّ.
«الآية الثامنة» تتحرّك من موقع التأكيد على هذا المعنى وتقرير هذه الحقيقة المهمّة ،
__________________
١ ـ سورة المائدة ، الآية ٨٢.