الأخلاق في القرآن [ ج ٢ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في الأخلاق في القرآن

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

الأخلاق في القرآن [ ج ٢ ]

رغم أنّ مفردة (التعصّب) ترد غالباً في المعنى المذموم والسلبي.

وبشكل عام فإنّ الإنسان إذا ارتبط بالامور غير المنطقية وتحرّك في سلوكه من موقع قبولها والدفاع عنها فهو من التعصّب المذموم ، وهذا هو ما ورد في القرآن الكريم بعنوان (العصبية الجاهلية) ولكن إذا خضعت علاقة الإنسان مع هذه الامور للمنطق والعقل وكانت النتائج المترتبة عليها مفيدة وبنّاءة وتعصّب لها الإنسان فهو من التعصّب الممدوح والإيجابي.

ونقرأ في نهج البلاغة في الخطبة (القاصعة) لأمير المؤمنين عليه‌السلام إشارة إلى هذا المعنى حيث يقول : «فَاطْفِئُوا مَا كَمَنَ فِي قُلُوبِكُمْ مِنْ نِيرَانِ الْعَصَبِيَّةِ ، وَاحْقَادِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَانَّمَا تِلْكَ الْحَمِيَّةُ تَكُونُ فِي الْمُسْلِمِ مِنْ خَطَرَاتِ الشَّيْطَانِ وَنَخَوَاتِهِ وَنَزَغَاتِهِ وَنَفَثَاتِهِ» (١).

فنجد في هذه الخطبة انها تقوم على أساس من ذمّ الكِبر والغرور والتعصّب واللجاجة ، ويقول الإمام في مكان آخر أيضاً : «فَانْ كَانَ لَابُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ ، وَمَحَامِدِ الْافْعَالِ ، وَمَحَاسِنِ الْامُورِ الَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا الْمُجَدَاءُ وَالنُّجَدَاءُ مِنْ بُيُوتَاتِ الْعَرَبِ ... فَتَعَصَّبُوا لِخِلَالِ الْحَمْدِ ، مِنَ الْحِفْظِ لِلْجِوَارِ ، وَالْوَفَاءِ بِالذِّمَامِ ، وَالطَّاعَةِ لِلْبِرِّ ، وَالْمَعْصِيَةِ لِلْكِبْرِ ، وَالْاخْذِ بِالْفَضْلِ ، وَالْكَفِّ عَنِ الْبَغْيِ» (٢).

فعليه فالإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام يشير في هذه الخطبة إلى (التعصّب) بكلا قسميه ، وعند ما سُأل الإمام زين العابدين عليه‌السلام عن معنى العصبية ذكر كلا القسمين أيضاً وقال : «الْعَصَبِيّةُ الَّتِي يَأْثِمُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا انْ يَرىَ الرَّجُلُ شِرَارَ قَوْمِهِ خَيْراً مِنْ خِيَارِ قَوْمٍ آخِرِين! وَلَيْسَ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ انْ يُحِبَّ الرَّجُلُ قُوْمَهُ وَلَكِنْ مِنَ الْعَصَبِيّةِ أنْ يُعِينَ قُوْمَهُ عَلَى الظُّلْمِ» (٣).

وطبقاً لهذا الحديث فإنّ العصبية الّتي يعيشها أفراد القوم أو القبيلة ما دامت تسير في خطّ الخير والصلاح فهي إيجابية وممدوحة ، لأن هذه العصبية والارتباط الشديد لا يدفع

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٢ من الفقرة ٢٢ إلى ٢٣.

٢ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٢ ، الفقرة ٧٦ إلى ٧٩.

٣ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٠٨ ، باب العصبيّة ، ح ٧.