عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)(١).
«يطبع» من مادّة «طبع» وتأتي في هذه الموارد بمعنى الختم ، وتشير إلى عمل تم في الماضي والحال ويراد به الشيء الّذي يُراد بقائه دون استخدام وتصرف فيغلق عليه ويُسد بابه ويوضع عليها مادّة لاصقة إما من الطين أو الشمع أو ما شابه ذلك ويختم عليها بختم معين بحيث إذا أراد شخص فتحه سيضطر إلى كسر هذا الختم وبالتالي سيتّضح ويتبين أنّه تصرّف فيه فيحال إلى المحكمة.
وعلى هذا الأساس فإنّ عملية الطبع والختم على قلوب المتكبرين يشير إلى أن عناد هؤلاء وعدائهم للحقّ قد أسدل على قلوبهم وأفكارهم حجاباً ظلمانياً بحيث لا يقدرون معه على إدراك حقائق عالم الوجود ، ولا يرون سوى أنفسهم ومصالحهم وأهوائهم النفسية ونوازعهم الدنيوية ، فكانت أذهانهم وعقولهم بمثابة ظروف مغلقة لا يمكن معها من إفراغ محتواها الفاسد ولا ملئها بالمحتوى السليم والفكر الصحيح ، وهذا في الواقع هو نتيجة التكبّر وحالة الجبارية الّتي يعيشها هؤلاء الاشخاص ، وفي الواقع فإنّ الصفة الثانية متولدة من الصفة الاولى لأنّ (جبار) تأتي في هذه الموارد بمعنى الشخص الّذي يعاقب وينتقم من مخالفيه من موقع الغضب الشديد والنقمة لا من موقع العقل والحكمة ، وبعبارة اخرى : أنّ الجبّار هو الشخص الّذي لا يرى إلّا نفسه وأهوائه ولا يرى للآخرين محلاً من الإعراب سوى أنّهم اتباع له.
وبالطبع فإنّ هذه المفردة «الجبّار» تطلق أحياناً على الله تعالى أيضاً ويراد بها مفهومٌ خاص وهو الشخص الّذي يُجبر نقائص الآخرين ويصلحها.
وتنطلق «الآية العاشرة» لتشير إلى أصل كلي لا يختصّ بطائفة معيّنة ، وهو أنّ الكافرين عند ما يقتربون من حافة جهنم يُقال لهم إنّ هذا العذاب هو بسبب أنّكم تتصفون بصفة التكبّر
__________________
١ ـ سورة المؤمن ، الآية ٣٥.