١ ـ الخوف المعقول وغير المعقول
لا شكّ أنّ المراد من الجبن والخوف هنا ليس هو الجبن المعقول والخوف المنطقي بل يقع في دائرة اللامعقول واللامنطقي ، وتوضيح ذلك :
إن الخوف من الامور الّتي تتضمن الخطر واقعاً هي أحد الحالات الروحية والطبيعية في الإنسان وأحد المواهب والنعم الإلهية الكبيرة ، وانه لو لا هذه الحالة تجاه الخطر فإنّ الإنسان لا يشعر بالخوف إذا واجهه الخطر حيث يفقد حياته سريعاً ، وهذا هو ما ورد في كلمات علماء الأخلاق باسم (التهوّر) في مقابل الخطر والّتي هي صفة ذميمة من قبيل أن يعبر الشخص الشارع المزدحم بالسيارات بدون أن ينظر يميناً أو يساراً ولا يحاذر من الخطر ، فمثل هذا الشخص سيتعرض للحوادث الخطرة الّتي سرعان ما تؤدي بحياته.
مثل هذا النوع من الخوف في حياة الإنسان اليومية ، وهكذا في موارد الخوف من تناول الأطعمة المشكوكة أو الخوف في دائرة المسائل السياسية والاقتصادية وغيرها ، يُعتبر خوفاً منطقياً ، ويتسبب في نجاة الإنسان من الأخطار الّتي تهدد حياته في حركة الحياة والواقع.
أمّا الخوف المذموم فهو أن يخاف الإنسان من المظاهر والعناصر الّتي لا تستبطن خطراً في حدّ ذاتها ، بل يتصور الخطر الموهوم فيها ، فيخاف من كلّ خطر وهمي وكلّ عدوٍ خيالي ويخاف من كلّ شيء حتّى من خياله ، مثل هذا الإنسان يعيش حالة التردّد في كلّ عمل يريد الاشتراك به مخافة عدم نجاحه في ذلك العمل وبالتالي يمنعه هذا الخوف من تصعيد طاقاته وقابلياته ويعيش التخلف والكسل والفشل والذلّة والمهانة.
إن هذه الحياة الدنيا في حقيقتها ميدان للصراع مع الموانع والمشكلات والأخطار الموجودة دائماً في مفاصل وزوايا هذه الحياة ، وما لم يواجه الإنسان هذه الأخطار والموانع من موقع الجرأة ويستعد بجدّية لمقابلتها فإنه لا يوفَّق في حياته.
والغالب إننا لا يمكننا تحقيق النجاح والنصر في كلّ عمل نعمله أو نضمن عدم وجود الخطر فيه ، فهذا من الخيال المحال وهو من الأوهام الزائفة ، وهنا يتجلّى الدور المهم