وبديهي فإنّ مثل هذه القدرة المطلقة بإمكانها الوفاء بجميع الوعود وحلّ جميع المشكلات مهما كانت ثقيلة وصعبة ، فكلّها تحت إرادته ومشيئته.
وجملة قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلّ شَىْءٍ قَدْرًا يمكن أن تكون جواباً على سؤال مقدّر ، وهو لماذا نعيش أحياناً غاية التوكل على الله تعالى ولكن الحلّ والنصرة قد يتأخر؟
القرآن الكريم يجيب على هذا السؤال بأنكم لا تعلمون مصالح الامور ، فكلّ شيء يكون بحساب ويتطلب زمان وفرصة مناسبة ، وكلّ حالة تكون مطلوبة في ظرفها الخاصّ ، ولهذا وبمقتضى أنّ «الْامُورُ مَرْهُونَةٌ بِاوْقَاتِهَا» فأحياناً تقتضي المصلحة تأخير النتيجة ، وعليه فإنّ العجلة والتسرع في مثل هذه الامور غير صحيح.
ويشبه هذا المعنى ما ورد في الآية (١٦٠) من سورة آل عمران حيث نجد أنّ القرآن الكريم يقرر بأن النصر والهزيمة كليهما من الله تعالى وأنّ طريق الوصول إلى النصر يمر من خلال التوكل على الله فتقول الآية : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
النتيجة النهائية :
ونستوحي من الآيات المذكورة آنفاً والّتي استعرضت سيرة أقدم الأنبياء الإلهيين إلى أن وصلت إلى نبي الإسلام أنّ مسألة التوكل في حياة البشر وجهاد الأنبياء وانتصارهم على المشكلات والتحديات الصعبة الّتي يفرضها الواقع بمثابة الأساس لكلّ هذه التحركات الإيجابية والمثمرة في سلوك الإنسان على المستوى المادي والمعنوي ، وتدلّ على أنّ هذه الفضيلة الأخلاقية بإمكانها أن ترتفع بالإنسان إلى مستويات عالية في سلّم الكمال المعنوي ، والنقطة المقابلة لها ، أي عدم الاعتماد والتوكّل على الله تعالى يتسبب في السقوط الحضاري والمعنوي للفرد والمجتمع.