به من أوج العزة والافتخار والاستقلال في أبعاد شخصيّته الإنسانية إلى حيث الضعف والذلّة والمهانة وبالتالي عدم القدرة على التغلب على التحديات الّتي يفرضها الواقع وعدم حلّ المشاكل الّتي تواجه الإنسان في حركة الحياة.
وبعد بيان أهميّة التوكل في الآيات القرآنية والروايات الإسلامية نصل إلى مسألة تحليل هذه الفضيلة في أبعادها المختلفة وتوضيح بعض الزوايا المعتمة منها :
١ ـ حقيقة التوكل
رأينا في ما تقدّم أنّ (التوكل) من مادّة (وكالة) ، بمعنى ايداع الامور إلى الله تعالى والاعتماد على لطفه ورحمته ، وهذا لا يعني أن يعيش الإنسان حالة التكاسل وعدم التحرّك في نشاطات الحياة بل عليه أن يبذل ما امكنه من السعي والجهد في سلوك طريق الحياة بجدّية ولكنه في نفس الوقت يعيش حالة التوكل على الله بالنسبة إلى ما لا يجد في نفسه القدرة على تذليل الصعاب ويستمد من ألطافه الجلية والخفية في ما يمنحه القدرة على الإستمرار في هذا الطريق.
ويقول أحد علماء الأخلاق المعروفين في تفسير التوكّل : «اعلم أنّ التوكل منزل من منازل الدين ومقام من مقامات الموقنين ، بل هو من معاني درجات المقربين ، وهو في نفسه غامض من حيث العلم وشاق ، وقال عليهالسلام : لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده ، بل انظروا إلى خلقه وعمله.
ووجه غموضه من حيث العلم أنّ ملاحظة الأسباب والاعتماد عليها شرك في التوحيد ، والتباعد عنها بالكلية طعن في السنّة وقدح في الشرع ، والاعتماد على الأسباب انغماس في غمرة الجهل.
والتحقيق فيه أنّ التوكل المأمور به في الشرع هو اعتماد القلب على الله في الامور كلّها وانقطاعه عمّا سواه ، ولا ينافيه تحصيل الأسباب إذا لم يكن يسكن إليها ، وكان سكونه إلى الله تعالى دونها مجوزاً أن يؤتيه الله مطلوبه من حيث لا يحتسب دون هذه الأسباب الّتي