الإنسان هذه الحقيقة الناصعة.
«الآية الثانية عشر» والأخيرة من هذه الآيات محل البحث تتحدّث عن يوم القيامة وتبين حالات الغافلين في هذا اليوم المليء بالحسرات واشكال الحزن وتقول (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(١).
وأحد أسماء يوم القيامة هو يوم الحسرة ، لأن الغافلين الّذين كانوا يعيشون في هذه الدنيا بعيداً عن الحقّ سوف ينتبهون من نومتهم هذه ويرون جميع أعمالهم ، فهناك سيجدون أمامهم كتاب يقرر ما ارتكبوه من أعمال ، فهناك من جهة اخرى الملائكة الّذين يشهدون عليهم ، ومن جهة ثالثة والأشد من ذلك هو شهادة أعضاء الإنسان حتّى الجلد على ما ارتكبته في الحياة من أعمال وسلوكيات شائنة ، وهناك ترتفع نار الندم والحسرة وتستولي على وجود الإنسان ولكنهم لا يجدون طريقاً سوى مزيد التحسر على ما فاتهم من فرص ثمينة في الحياة الدنيا ، فليس لهم الرجوع للعودة لجبران ما فات لأن الطريق موصد من خلفهم والكتب قد اغلقت ، فلا مجال للتوبة والانابة ، ولذلك سيملأ الحزن وجودهم وخاصّةً عند ما يسمعون نداء الملائكة الموبخ لهم حيث يقولون «لقد كنت في غفلةٍ من هذا».
وبديهي أنّ هذه الغفلة لا تتعلق بحالات يوم القيامة ولا عالم البرزخ ، لأن الإنسان وبمجرد أن ينتقل من هذه الدنيا ويعانق الموت فإنّ سحب الغفلة ستزول أمام عينه ويرى حقائق العالم كما هي ، وحينئذٍ لا يبقى معنى لمفهوم «الغفلة» كما تقول الآية ٩٩ و ١٠٠ من سورة المؤمنون (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
النتيجة :
وممّا نستوحيه من الآيات المذكورة آنفاً أنّ الخطر الّذي يعيشه الإنسان بسبب الغفلة
__________________
١ ـ سورة مريم ، الآية ٣٩.