فمن كان عبداً للدنيا فإنه لا يرى غيرها وكأنما يغلق عينه واذنه عن رؤية عواقب الامور ويلقي بنفسه وبدافعٍ من العشق للدنيا والشوق إلى تحصيل زخارفها من موقع العجله والتسرع وهو يتصور إنما يسعى لخيره ومصلحته ولكنَّ الأغلب هو أنّ هذه العجلة تتسبب في تورطه بالمشاكل واصطدامه بالموانع الّتي لم يكن يراها بسبب العجلة ولم يكن مستعداً نفسياً لمواجهتها ، ولهذا السبب فإنه يمنى بالهزيمة والفشل الذريع.
٣ ـ ضيق الصدر وسعته
ومن الدوافع الاخرى للعجلة والتسرع هو ضيق الصدر وافق التفكير ، فالأشخاص الّذين يعيشون ضيق الصدر وضيق الافق هم الّذين يسلكون طريق العجلة في تحصيل مبتغاهم ، واما من كان يعيش سعة الصدر ويتسم بسعة الافق في تفكيره فنجده يخطو في حركته الاجتماعية بتأنٍ ووقار وتدبّر فيما يصدر منه من سلوكيات وأعمال ويتجه لتحصيل مقاصده بعزم قوي وفي نفس الوقت ببرودة أعصاب ، ولهذا فإنه قلما يصاب بالفشل والهزيمة.
إن تسويلات الشيطان وخداع رفاق السوء والمتملقين والكاذبين والحساد والنمامين هي بدورها من العوامل المهمة للوقوع في دائرة الاستعجال والتسرع.
يقول أمير المؤمنين عليهالسلام في هذا الصدد «وَلا تَعجَلَّنَّ الَىَ تَصديقِ ساعٍ فَانَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ وَان تَشبَّهَ بِالنَّاصِحينَ» (١).
٤ ـ الجهل
وأحد العوامل الاخرى للاستعجال بالامور الجهل والسفه ، فان الشخص الجاهل والسفيه يعيش في الغالب في دائرة الأوهام والخيالات الباطلة فيتصور أن مقدمات هذا العمل الفلاني متهيئة وأنّ الأرضية مساعدة لذلك فيلقي بنفسه في دوامة الحوادث ولا يرجع منها إلّا بخف حنين ولا يكون مصيره منها سوى الفشل ، في حين أنّ الشخص العالِم بالامور والعاقل الذكي فإنه يسعى لبرمجة خطواته العملية في سبيل الوصول إلى هدفه ومقصده وبالتالي فسوف يحصد ثمار هذا التأني والتدبر ولا يصيبه سوى الفلاح.
__________________
١ ـ نهج البلاغة ، الرسالة ٥٣.