استهزاء وتكذيب المشركين واذاهم وتقول : (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً)(١).
وقد ذكر المفسّرون في تفسير (صَبْراً جَمِيلاً) تفاسير مختلفة وقد تقدّم البحث عنها في تفسير الآية الثانية في هذا البحث وسنتابع الكلام فيها في حديثٍ آخر لاحقاً ، ويقول الإمام الباقر عليهالسلام في الجواب عن معنى الصبر الجميل في هذه الآية ، «صَبْرٌ لَيْسَ فِيهِ شَكْوىً الَى النّاسِ» (٢).
وفي «الآية الثامنة» يخاطب الله تعالى جميع المؤمنين ويأمرهم بالصبر والمثابرة وأنّ ذلك هو مفتاح السعادة والنجاة ويقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٣).
فنقرأ في هذه الآية أربع أوامر تمثل مفتاح السعادة ومصدر الخيرات والبركات على الإنسان في حياته المادية والمعنوية.
الأوّل : الصبر والاستقامة والصمود أمام الحوادث والمشكلات والمصائب والموانع الّتي يجدها الإنسان في حركته الدنيوية لتحديات الواقع وصعوبة الظروف.
الثاني : المصابرة ، وهي من باب «مفاعلة» وتأتي بمعنى الصبر والاستقامة مقابل صبر واستقامة الآخرين ، وفي الحقيقة فإنّ الدستور الأوّل ناظرٌ إلى الصبر والاستقامة أمام أنواع المشكلات والحوادث الّتي يفرضها الواقع على الإنسان ، أما الدستور الثاني فناظرٌ إلى الصبر والاستقامة أمام الأعداء ، وعليه فكلّما بذل الأعداء جهداً في سبيل المقاومة في ميدان القتال ، فعلى المؤمنين أن يبذلوا جهداً أكبر من ذلك ويعيشوا الصبر بأقوى ممّا لدى العدو كي ينالوا النصر والغلبة عليه.
«رابطوا» من مادّة «مرابطة» وهي في الأصل من «رباط» بمعنى شد الشيء إلى مكان معين ، وتستعمل هذه المفردة «مرابطة» عادّةً بمعنى مراقبة الحدود والثغور لأن جنود
__________________
١ ـ سورة المعارج ، الآية ٥.
٢ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٩٣.
٣ ـ سورة آل عمران ، الآية ٢٠٠.