مع هذه الإشارة نعود إلى القرآن الكريم لنستوحي من آياته ما يتعلق بمسألة التواضع ونختار منها ما يُلقي الضوء على هذا البحث المهم رغم وجود آيات كثيرة تبحث هذا الموضوع بالكناية أو بالملازمة.
١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ...)(١)
٢ ـ (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً)(٢).
٣ ـ (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٣).
تفسير واستنتاج :
«الآية الاولى» من الآيات مورد البحث تتحدّث عن مجموعة من المؤمنين الّذين شملتهم رعاية الله وعنايته فكانوا يحبون الله ويحبهم ، وإحدى الصفات البارزة لهؤلاء أنّهم يتعاملون مع أخوانهم المؤمنين من موقع التواضع والمودّة (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وكذلك في المقابل (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ).
(اذِلَّةٍ) جمع «ذلول» و«ذليل» ، ومن مادة «ذُل» على وزن حُر ، وهي في الأصل بمعنى الملائمة والتسليم والليونة والانعطاف في حين أنّ كلمة «اعِزَّة» جمع «عزيز» ومن مادّة «عزة» وتأتي بمعنى الشدّة والصلابة ، ويقال للحيوانات المطيعة «ذلول» لأنها ملائمة ومسلّمة للإنسان ، و«تذليل» في الآية الشريفة «ذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً» إشارة إلى هذا المعنى ، وهو سهولة اقتطاف ثمارها ثمار الجنّة ، وأحياناً تُستخدم كلمة «ذِلّة» في موارد سلبية وذلك إذا واجه الإنسان موقفاً يُجبر فيه على شيء من غيره ، وإلّا فإنّ المعنى السلبي لهذه الكلمة لا
__________________
١ ـ سورة المائدة ، الآية ٥٤.
٢ ـ سورة الفرقان ، الآية ٦٣.
٣ ـ سورة الشعراء ، الآية ٢١٥.