الإنسان الدنيا بحذافيرها فإنه يعيش فقيراً كذلك ، ولو أنّ روحه كانت تعيش الغنى الذاتي ولم يجد في نفسه الحاجة والطمع فإنه لو سُلب منه جميع ما في الدنيا فإنه يعيش الغنى كذلك.
٤ ـ الحرص المذموم والممدوح
إنّ مفردة (الحرص) تأتي في الموارد السلبية فعند ما تُطلق هذه الكلمة يراد منها الحرص على الأموال والثروة والمقام وسائر الشهوات المادية والدنيوية ، وذلك بسبب أنّ هذه الكلمة تستعمل غالباً في هذه الموارد المذمومة والقبيحة.
ولكن أحياناً تستخدم هذه الكلمة في موارد إيجابية ونافعة وبذلك تستحق المدح ولا تكون من الأخلاق الرذيلة بل تُعد من الفضائل أيضاً وذلك عند ما تتحكم هذه الصفة في الإنسان في موارد الشوق والرغبة الشديدة في أعمال الخير والصلاح.
ومن جملة ما ذكر القرآن الكريم من فضائل نبي الإسلام هو حرصه على هداية الناس وانقاذهم من الضلال حيث يقول : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)(١).
ويقول في مكان آخر : (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ)(٢).
وقد ورد ما يشبه هذا المعنى والمضمون في آيات اخرى من القرآن الكريم أيضاً (٣).
وطبعاً وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم في مصاديق سلبية أيضاً.
أما في الروايات الإسلامية فإنّ كلمة «الحرص» وردت في موارد كثيرة إيجابية وفي ذلك يقول أمير المؤمنين عليهالسلام في خطبته المعروفة في بيان صفات المتقين مخاطباً لهمّام
__________________
١ ـ سورة التوبة ، الآية ١٢٨.
٢ ـ سورة النحل ، الآية ٣٧.
٣ ـ سورة يوسف ، الآية ١٠٣ ؛ سورة النساء ، الآية ١٢٩.