الكائن من جهة السماء.
وجاء التعبير بالواو هنا في قوله (وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) للإشارة إلى أنه جمع بين أمرين منافيين لدعواه الرسالة ، وهما : كونه من المسحرين وكونه بشرا وقصدوا بذلك المبالغة في تكذيبه ، فكأنهم يقولون له : إن وصفا واحدا كاف في تجريدك من نبوتك فكيف إذا اجتمع فيك الوصفان ، ولم يكتفوا بهذا بل أكدوا عدم تصديقهم له فقالوا : وما نظنك إلا من الكاذبين.
ثم أضافوا إلى كل تلك السفاهات. الغرور والتحدي حيث تعجلوا العذاب.
ولكن شعيبا ـ عليهالسلام ـ قابل استهتارهم واستهزاءهم بقوله : (رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ).
أى : ربي وحده هو العليم بأقوالكم وأعمالكم ، وسيجازيكم عليها بما تستحقون من عذاب أليم.
ثم يعجل ـ سبحانه ـ ببيان عاقبتهم السيئة فيقول : (فَكَذَّبُوهُ ، فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ. إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
قال الآلوسى : وذلك على ما أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبى حاتم ، والحاكم عن ابن عباس : أن الله ـ تعالى ـ بعث عليهم حرا شديدا ، فأخذ بأنفاسهم ، فدخلوا أجواف البيوت ، فدخل عليهم ، فخرجوا منها هرابا إلى البرية. فبعث الله ـ تعالى ـ عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس ، وهي الظلة ، فوجدوا لها بردا ولذة ، فنادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها ، أسقطها الله عليهم نارا. فأهلكتهم جميعا .. (١).
ففي الأعراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ، وذلك لأنهم قالوا : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا.). فلما أرجفوا بنبي الله ومن تبعه. ـ أى : حاولوا زلزلتهم وتخويفهم ـ أخذتهم الرجفة.
وفي سورة هود قال : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) وذلك لأنهم استهزءوا بنبي الله في قولهم : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا.). فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم .. وها هنا قالوا : (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ ..). على وجه التعنت والعناد فناسب أن ينزل بهم ما استبعدوا ووقوعه فقال : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) (٢).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٩ ص ١٢٠.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ١٧٠.