واجتهاده ، مع أنه يعلم ـ حق العلم عن طريق التوراة وغيرها ، أن الله ـ تعالى ـ قد أهلك من قبله. من أهل القرون السابقة عليه من هو أشد منه في القوة ، وأكثر منه في جمع المال واكتنازه.
فالمقصود بالجملة الكريمة تهديده وتوبيخه على غروره وبطره.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) جملة حالية. أى : والحال أنه لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون سؤال استعتاب واستعلام ، لأن الله ـ تعالى ـ لا يخفى عليه شيء. وإنما يسألون ـ كما جاء في قوله ـ تعالى ـ (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ـ سؤال توبيخ وإفضاح.
فالمراد بالنفي في قوله ـ سبحانه ـ (وَلا يُسْئَلُ.). سؤال الاستعلام والاستعتاب ، والمراد بالإثبات في قوله : (فَلَنَسْئَلَنَ) أو في قوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ) سؤال التقريع والتوبيخ.
أو نقول : إن في يوم القيامة مواقف ، فالمجرمون قد يسألون في موقف ، ولا يسألون في موقف آخر ، وبذلك يمكن الجمع بين الآيات التي تنفى السؤال والآيات التي تثبته.
ثم حكى القرآن بعد ذلك مظهرا آخر من مظاهر غرور قارون وبطره فقال : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) والجملة الكريمة معطوفة على قوله قبل ذلك (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) وما بينهما اعتراض. والزينة : اسم ما يتزين به الإنسان من حلى أو ثياب أو ما يشبههما.
أى : قال ما قال قارون على سبيل الفخر والخيلاء ، ولم يكتف بهذا القول بل خرج على قومه في زينة عظيمة. وأبهة فخمة ، فيها ما فيها من ألوان الرياش والخدم.
وقد ذكر بعض المفسرين روايات متعددة ، في زينته التي خرج فيها ، رأينا أن نضرب عنها صفحا لضعفها ، ويكفى أن نعلم أنها زينة فخمة ، لأنه لم يرد نص في تفاصيلها.
وأمام هذه الزينة الفخمة التي خرج فيها قارون ، انقسم الناس إلى فريقين ، فريق استهوته هذه الزينة ، وتمنى أن يكون له مثلها ، وقد عبر القرآن عن هذا الفريق بقوله : (قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
أى : خرج قارون على قومه في زينته ، فما كان من الذين يريدون الحياة الدنيا وزخارفها من قومه ، إلا أن قالوا على سبيل التمني والانبهار .. يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون من مال وزينة ورياش ، إنه لذو حظ عظيم ، ونصيب ضخم ، من متاع الدنيا وزينتها.