٣ ـ يرى كثير من الفقهاء أن التحريم في قوله ـ تعالى ـ : (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) للتنزيه ، وعبر عنه بلفظ «حرّم» للتغليظ والتنفير من الإقدام على زواج المؤمن من الزانية ، أو على زواج المؤمنة من الزاني.
ويرى آخرون أن التحريم على ظاهره ، وأنه لا يجوز للمؤمن أن يتزوج بالزانية. وكذلك لا يجوز للمؤمنة أن تتزوج بالزاني.
وقد فصل القول في هذه المسألة بعض العلماء فقال ما ملخصه : اعلم أن العلماء اختلفوا في جواز نكاح العفيف بالزانية ونكاح العفيفة بالزاني.
فذهب جماعة من أهل العلم منهم الأئمة الثلاثة ـ أبو حنيفة ومالك والشافعى ـ إلى جواز نكاح الزانية مع الكراهة التنزيهية .. لأن الله ـ تعالى ـ قال : (... وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ..). (١) وهو شامل بعمومه الزانية والعفيفة.
وقالت جماعة أخرى من أهل العلم : لا يجوز تزويج الزاني العفيفة ، ولا عكسه ، وهو مذهب الإمام أحمد. وقد روى عن الحسن وقتادة.
ومن أدلتهم الآية التي نحن بصددها ، وهي قوله ـ تعالى ـ : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) لأنها قد حرمت في نهايتها أن يتزوج التقى بالزانية ، أو التقية بالزاني (٢).
وعلى أية حال فالمتدبر في هاتين الآيتين يراهما ، تشددان العقوبة على من يرتكب جريمة الزنا ، وتنفران من الاقتراب منها وممن يقع فيها أعظم تنفير ، لأن الإسلام حرص على أن ينتشر العفاف والطهر بين أفراد المجتمع الإسلامى ، وشرع من وسائل الوقاية ما يحمى الأفراد والجماعات من الوقوع في هذه الرذيلة.
* * *
وبعد أن نفر ـ سبحانه ـ من جريمة الزنا أعظم تنفير ، وأمر بتنفيذ عقوبته في مرتكبها بدون رأفة أو تساهل ... أتبع ذلك بتشريعات أخرى من شأنها أن تحمى أعراض الناس وأنفسهم من اعتداء المعتدين ، فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) سورة النساء الآية ٢٤.
(٢) راجع تفسير : «أضواء البيان» ج ٦ ص ٧٢ وما بعدها.