الأهوال ، والأمور العظام ، والآيات الباهرات في البحر ، ثم بعد ما أنعم الله عليه من الخلاص ، كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام ، والمبادرة إلى الخيرات ، فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصرا ، والحالة هذه (١).
وأما القسم الثاني فقد عبر عنه ـ سبحانه ـ بقوله : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ).
والختار : من الختر ، وهو أبشع وأقبح الغدر والخديعة. يقال : فلان خاتر وختار وختير ، إذا كان شديد الغدر والنقض لعهوده ، ومنه قول الشاعر :
وإنك لو رأيت أبا عمير |
|
ملأت يديك من غدر وختر |
والكفور : هو الشديد الكفران والجحود لنعم الله ـ تعالى ـ.
أى : وما يجحد بآياتنا الدالة على قدرتنا ورحمتنا ، إلا من كان كثير النقض لعهودنا ، شديد النكران لنعمنا.
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بدعوة الناس إلا الاستعداد ليوم الحساب وإلى مراقبة الله ـ تعالى ـ في كل أحوالهم ، لأنه ـ سبحانه ـ لا يخفى عليه شيء منها. فقال :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(٣٤)
والمعنى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) بأن تطيعوه ولا تعصوه ، وبأن تشكروه ولا تكفروه ، واخشوا يوما ، أى : وخافوا أهوال يوم عظيم.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٣٥٣.