(ثُمَّ سَوَّاهُ) أى : هذا المخلوق الذي أوجده من طين ، أو من ماء مهين. والمراد : ثم عدل خلقه ، وسوى شكله ، وناسب بين أعضائه ، وأتمه في أحسن صورة ...
(وَنَفَخَ فِيهِ) ـ سبحانه ـ (مِنْ رُوحِهِ) أى : من قدرته ورحمته ، التي صار بها هذا الإنسان إنسانا كاملا في أحسن تقويم.
وإضافة الروح إليه ـ تعالى ـ للتشريف والتكريم لهذا المخلوق ، كما في قولهم بيت الله.
(وَجَعَلَ لَكُمُ) بعد ذلك (السَّمْعَ) الذي تسمعون به (وَالْأَبْصارَ) التي تبصرون بها ، (وَالْأَفْئِدَةَ) التي تعقلون بها ، وتحسون الأشياء بواسطتها.
وقوله : (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) بيان لموقف بنى آدم من هذه النعم المتكاثرة والمتنوعة. ولفظ «قليلا» منصوب على أنه صفة لمحذوف وقع معمولا لتشكرون.
أى : شكرا قليلا تشكرون ، أو زمانا قليلا تشكرون.
وهكذا بنو آدم ـ إلا من عصم الله ـ ، أوجدهم الله ـ تعالى ـ بقدرته ، وسخر لمنفعتهم ومصلحتهم ما سخر من مخلوقات ، وصانهم في كل مراحل خلقهم بأنواع من الصيانة والحفظ ... ومع ذلك فقليل منهم هم الذين يشكرونه ـ عزوجل ـ على نعمه. وصدق ـ سبحانه ـ حيث يقول : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ).
ثم حكى ـ سبحانه ـ شبهات المشركين ورد عليها ، وصور أحوالهم الأليمة عند ما تقبض الملائكة أرواحهم ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ