خاصة يملك معها اختيار طريق الهدى أو طريق الضلال. كما قال ـ تعالى ـ (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً. إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ ، إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما يقال لهؤلاء المجرمين عند ما يلقى بهم في جهنم فقال ـ تعالى ـ : (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ ، وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
والذوق حقيقة إدراك المطعومات. والأصل فيه أن يكون في أمر مرغوب في ذوقه وطلبه. والتعبير به هنا عن ذوق العذاب من باب التهكم بهم.
والفاء في قوله : (فَذُوقُوا) لترتيب الأمر بالذوق على ما قبله والباء للسببية. والمراد بالنسيان لازمه ، وهو الترك والإهمال.
أى : ويقال لهؤلاء المجرمين عند ما يلقى بهم في النار : ذوقوا لهيبها وسعيرها بسبب نسيانكم وإهمالكم وجحودكم ليوم القيامة وما فيه من حساب. وإننا من جانبنا قد أهملناكم وتركناكم. بسبب إصراركم على كفركم ، وذوقوا العذاب الذي أنتم مخلدون فيه بسبب أعمالكم القبيحة في الدنيا «جزاء وفاقا».
وكرر ـ سبحانه ـ لفظ (فَذُوقُوا) على سبيل التأكيد ، وزيادة التقريع والتأنيب.
ثم تترك السورة الكريمة هؤلاء المجرمين يذوقون العذاب ، وتنتقل إلى الحديث عن مشهد آخر ، عن مشهد يشرح النفوس ، ويبهج القلوب ، إنه مشهد المؤمنين الصادقين ، وما أعد الله ـ تعالى ـ من ثواب قال ـ تعالى ـ :
(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٧)