(لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عما هم فيه من شرك وكفر وفسوق وعصيان.
ثم بين ـ سبحانه ـ حال من يدعى إلى الهدى فيعرض عنه ، فقال : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها).
أى : لا أحد أشد ظلما وكفرا ممن ذكره المذكر بالآيات الدالة على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته ، وعلى أن دين الإسلام هو الحق ، ثم أعرض عنها جحودا وعنادا.
(إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) أى : إنّا من أهل الإجرام والجحود لآياتنا منتقمون انتقاما يذلهم ويهينهم.
قال صاحب الكشاف : «ثم» في قوله (ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) للاستبعاد.
والمعنى : أن الإعراض عن مثل آيات الله ، في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل ، والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد في العقل والعدل. كما تقول لصاحبك : وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها ، استبعادا لتركه الانتهاز. ومنه «ثم» في بيت الحماسة :
لا يكشف الغماء إلا ابن حرة |
|
يرى غمرات الموت ثم يزورها |
استبعد أن يزور غمرات الموت بعد أن رآها واستيقنها واطلع على شدتها.
فإن قلت : هلا قيل : إنا منه منتقمون؟ قلت : لما جعله أظلم كل ظالم ، ثم توعد المجرمين عامة بالانتقام منهم ، فقد دل على إصابة الأظلم بالنصيب الأوفر من الانتقام ، ولو قاله بالضمير لم يفد هذه الإفادة (١).
ثم أشارت السورة الكريمة بعد ذلك إلى ما أعطاه الله ـ تعالى ـ لنبيه موسى ـ عليهالسلام ـ من نعم. وما منحه للصالحين من قومه من منن ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥١٥.