ومن مظاهر ذلك ـ أيضا ـ : إبطال عادة التبني ، حتى ينتسب الأبناء إلى آبائهم الشرعيين ، وحتى تصير العلاقات بين الآباء والأبناء قائمة على الأسس الحقيقية والواقعية.
ولقد حذر الإسلام من دعوى الإبن إلى غير أبيه تحذيرا شديدا. ونفر من ذلك.
قال القرطبي : جاء في الحديث الصحيح عن سعد بن أبى وقاص وأبى بكرة ، كلاهما قال : سمعته أذناى ووعاه قلبي ، محمدا صلىاللهعليهوسلم يقول : «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام» وفي حديث أبى ذر أنه سمع النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما يجب على المؤمنين نحو نبيهم صلىاللهعليهوسلم ونحو أزواجه ، وما يجب للأقارب فيما بينهم ، فقال ـ تعالى ـ :
(النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً)(٦)
أى : النبي صلىاللهعليهوسلم أحق بالمؤمنين بهم من أنفسهم وأولى في المحبة والطاعة ، فإذا ما دعاهم إلى أمر ، ودعتهم أنفسهم إلى خلافه ، وجب أن يؤثروا ما دعاهم إليه ، على ما تدعوهم إليه أنفسهم ، لأنه صلىاللهعليهوسلم لا يدعوهم إلا إلى ما ينفعهم ، أما أنفسهم فقد تدعوهم إلى ما يضرهم.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن أبى هريرة ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إنما مثلي ومثل أمتى ، كمثل رجل استوقد نارا ، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه ـ أى في الشيء المستوقد ـ وأنا آخذ بحجزكم ـ أى : وأنا آخذ بما يمنعكم من السقوط كملابسكم ومعاقد الإزار ـ وأنتم تقحمون فيه» أى : وأنتم تحاولون الوقوع فيما يحرقكم ـ.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ١٢١.