وأولادهم ناهبين سابين ، ثم سئلوا عند ذلك الفزع وتلك الرجفة ، (الْفِتْنَةَ) أى : الردة والرجعة إلى الكفر ، ومقاتلة المسلمين ، لأتوها ، أى : لجاءوها ولفعلوها. وقرئ. لآتوها ، أى لأعطوها (وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً) ريثما يكون السؤال والجواب من غير توقف. أو ما لبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم إلا يسيرا ، فإن الله يهلكهم (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ، أن من الصفات اللازمة للمنافقين ، نقضهم لعهودهم فقال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً).
أى : ولقد كان هؤلاء المنافقون قد حلفوا من قبل غزوة الأحزاب ، أنهم سيكونون معكم في الدفاع عن الحق وعن المدينة المنورة التي يساكنونكم فيها ، ولكنهم لم يفوا بعهودهم.
(وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) أى : مسئولا عنه صاحبه الذي عاهد الله ـ تعالى ـ على الوفاء ، وسيجازى ـ سبحانه ـ كل ناقض لعهده ، بما يستحقه من عقاب.
ثم واصلت السورة الكريمة حديثها عن هؤلاء المنافقين ، فوبختهم على سوء فهمهم ، وعلى جبنهم وخورهم ، وعلى سلاطة ألسنتهم .. فقال ـ تعالى ـ :
(قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧) قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٨) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٢٨.