وهكذا نرى الآيات الكريمة ، تصور لنا أحوال الكافرين في الآخرة هذا التصوير المؤثر ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حي عن بينة.
وبعد أن فصلت السورة الكريمة ما فصلت من أحكام ، وأرشدت إلى ما أرشدت من آداب ، وقصت ما قصت من أحداث .. بعد كل ذلك وجهت في أواخرها نداءين إلى المؤمنين ، أمرتهم فيهما بتقوى الله ـ تعالى ـ وبالاقتداء بالأخيار من عباده ، وباجتناب سلوك الأشرار ، كما ذكرتهم بثقل الأمانة التي رضوا بحملها ، وبحسن عاقبة الصالحين وسوء عاقبة المكذبين ، قال ـ تعالى ـ :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢) لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(٧٣)
والمراد بالذين آذوا موسى ـ عليهالسلام ـ في قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى.) .. قومه الذين أرسله الله إليهم.
فقد حكى القرآن الكريم ألوانا من إيذائهم له ، ومن ذلك قولهم له : (يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ.) .. وقولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً).