ويعنون بقولهم «ما هذا إلا رجل» : الرسول صلىاللهعليهوسلم ويقصدون بالإشارة إليه ، الاستخفاف به ، والتحقير من شأنه صلىاللهعليهوسلم.
وقالوا : (يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) لإثارة حمية الجاهلية فيهم فكأنهم يقولون لهم : احذروا اتباع هذا الرجل ، لأنه يريد أن يجعلكم من أتباعه ، وأن يقطع الروابط التي تربط بينكم وبين آبائكم الذين أنتم قطعة منهم.
ولم يكتفوا بالتشكيك في صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم بل أضافوا إلى ذلك التكذيب للقرآن الكريم ، ويحكى ـ سبحانه ـ ذلك فيقول : (وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً).
أى : وقالوا في شأن القرآن الكريم : ما هذا الذي يتلوه محمد صلىاللهعليهوسلم علينا ، إلا (إِفْكٌ) أى : كلام مصروف عن وجهه ، وكذب في ذاته (مُفْتَرىً) أى : مختلق على الله ـ تعالى ـ من حيث نسبته إليه.
فقوله (مُفْتَرىً) صفة أخرى وصفوا بها القرآن الكريم ، فكأنهم يقولون ـ قبحهم الله ـ ما هذا القرآن إلا كذب في نفسه ، ونسبته إلى الله ـ تعالى ـ ليست صحيحة.
ثم أضافوا إلى تكذيبهم للرسول صلىاللهعليهوسلم وللقرآن ، تكذيبا عاما لكل ما جاءهم به الرسول من حق ، فقالوا ـ كما حكى القرآن عنهم ـ : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ ، إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ).
أى : وقال الكافرون في شأن كل حق جاءهم به الرسول صلىاللهعليهوسلم : ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر واضح.
وهكذا نراهم ـ لعنادهم وجهلهم ـ قد كذبوا الرسول صلىاللهعليهوسلم وكذبوا القرآن. وكذبوا كل توجيه قويم ، وإرشاد حكيم ، أرشدهم إليه صلىاللهعليهوسلم إذ اسم الإشارة الأول يعود إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم والثاني يعود إلى القرآن ، والثالث يعود إلى تعاليم الإسلام كلها.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن أقوالهم هذه لا تستند إلى دليل أو ما يشبه الدليل ، وإنما هم يهرفون بما لا يعرفون ، فقال ـ تعالى ـ : (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ).
أى : أن هؤلاء الذين قالوا ما قالوا من باطل وزور ، لم نأتهم بكتب يدرسونها ويقرءونها ليعرفوا منها أن الشرك حق ، فيكون لهم عذرهم في التمسك به ، وكذلك لم نرسل إليهم قبلك ـ أيها الرسول الكريم ـ نذيرا يدعوهم إلى عبادة الأصنام ، ويخوفهم من ترك عبادتها.
وما دام الأمر كذلك ، فمن أين أتوا بهذا التصميم على شركهم ، وبهذا الإنكار للحق الذي