ثم وجه ـ سبحانه ـ نداء الى الناس. أمرهم فيه بذكره وشكره فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ ، هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ...
والمراد من ذكر النعمة : ذكرها باللسان وبالقلب ، وشكر الله تعالى عليها ، واستعمالها فيما خلقت له.
والمراد بالنعمة هنا : النعم الكثيرة التي أنعم بها ـ سبحانه ـ على الناس. كنعمة خلقهم ، ورزقهم ، وتسخير كثير من الكائنات لهم.
والاستفهام في قوله : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ) للنفي والإنكار ، أى : يا أيها الناس اذكروا بألسنتكم وقلوبكم ، نعم الله ـ تعالى ـ عليكم ، واشكروه عليها. واستعملوها في الوجوه التي أمركم باستعمالها فيها ، واعلموا أنه لا خالق غير الله ـ تعالى يرزقكم من السماء بالمطر وغيره ، ويرزقكم من الأرض بالنبات والزروع والثمار وما يشبه ذلك من الأرزاق التي فيها حياتكم وبقاؤكم.
وقوله ـ تعالى ـ (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) جملة مستأنفة لتقرير النفي المستفاد مما قبله أى : لا إله مستحق للعبادة والطاعة إلا الله ـ تعالى ـ ، إذ هو الخالق لكم ، وهو الذي أعطاكم النعم التي لا تعد ولا تحصى.
(فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أى : ومادام الأمر كذلك : فكيف تصرفون عن إخلاص العبادة لخالقكم ورازقكم ، إلى الشرك في عبادته.
فقوله (تُؤْفَكُونَ) من الأفك ـ بالفتح ـ بمعنى الصرف والقلب يقال : أفكه عن الشيء ، إذا صرفه عنه ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) .. أى : لتصرفنا عما وجدنا عليه آباءنا.
وبعد هذا البيان المعجز لمظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ ورحمته بعباده ، وهيمنته على شئون خلقه .. أخذت السورة الكريمة في تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم وفي دعوة الناس إلى اتباع ما جاءهم به هذا النبي الكريم ، وفي بيان مصير المؤمنين ومصير الكافرين ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا