الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ) أى : الحمد لله الذي أذهب عنا الأحزان بفضله ورحمته ، والذي (أَحَلَّنا) أى : أنزلنا (دارَ الْمُقامَةِ) أى : الدار التي لا انتقال لنا منها ، وإنما نحن سنقيم فيها إقامة دائمة وهي الجنة التي منحنا إياها بفضله وكرمه.
وهذه الدار (لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ) أى : لا يصيبنا فيها تعب ولا مشقة ولا عناء. يقال : نصب فلان ـ كفرح ـ إذا نزل به التعب والإعياء.
(وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) أى : ولا يصيبنا فيها كلال وإعياء بسبب التعب والهموم ، يقال : لغب فلان لغبا ولغوبا. إذا اشتد به الإعياء والهزال.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما الفرق بين النصب واللّغوب؟
قلت : النصب ، التعب والمشقة ، التي تصيب المنتصب للأمر ، المزاول له.
وأما اللغوب ، فما يلحقه من الفتور بسبب النصب. فالنصب : نفس المشقة والكلفة. واللغوب : نتيجة ما يحدث منه من الكلال والفتور» (١).
وبعد هذا البيان البليغ الذي يشرح الصدور لحسن عاقبة المفلحين ، ساقت السورة الكريمة حال الكافرين ، وما هم فيه من عذاب مهين ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)(٣٨)
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٦١٤.