أى : إن الله ـ تعالى ـ بقدرته وحدها ، يمسك السموات والأرض كراهة أن تزولا ، أو يمنعهما ويحفظهما من الزوال أو الاضمحلال أو الاضطراب ، ولئن زالتا ـ على سبيل الفرض والتقدير ـ فلن يستطيع أحد أن يمسكهما ويمنعهما عن هذا الزوال سوى الله ـ تعالى ـ (إِنَّهُ) ـ سبحانه ـ (انَ) وما زال (حَلِيماً) بعباده (غَفُوراً) لمن تاب إليه وأناب ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى).
قال الآلوسى : قوله : (وَلَئِنْ زالَتا) أى : إن أشرفتا على الزوال على سبيل الفرض والتقدير ، (إِنْ أَمْسَكَهُما) أى : ما أمسكهما (مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) أى : من بعد إمساكه ـ تعالى ـ أو من بعد الزوال ، والجملة جواب القسم المقدر قبل لام التوطئة في (لَئِنْ) ، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ... و (مِنْ) الأولى مزيدة لتأكيد العموم. والثانية للابتداء (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بما كان عليه المشركون من نقض العهود ، ومن مكر سىء حاق بهم ، ودعاهم ـ سبحانه ـ إلى الاعتبار بمن سبقهم ، وبين لهم جانبا من مظاهر فضله عليهم. ورأفته بهم فقال ـ تعالى ـ :
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (٤٣) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ٢٠٤.