بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدمة وتمهيد
١ ـ سورة الروم هي السورة الثلاثون في ترتيب المصحف أما ترتيبها في النزول فهي السورة الثانية والثمانون ، وقد كان نزولها بعد سورة الانشقاق.
٢ ـ وقد افتتحت بالحديث عن قصة معينة ، وهي قصة الحروب التي دارت بين الفرس والروم ، والتي انتهت في أول الأمر بانتصار الفرس ، ثم كان النصر بعد ذلك للروم.
قال ـ تعالى ـ : (الم. غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ ، لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
٣ ـ ثم وبخت السورة الكريمة الكافرين ، لعدم تفكرهم في أحوال أنفسهم ، وفي أحوال السابقين الذين كانوا أشد منهم قوة وأكثر جمعا ، وتوعدتهم بسوء المصير بسبب انطماس بصائرهم ، وإعراضهم عن دعوة الحق ، ووعدت المؤمنين بحسن الجزاء.
قال ـ تعالى ـ : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ ، فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ).
٤ ـ ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك اثنى عشر دليلا على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته ، وقد بدئت هذه الأدلة بقوله ـ تعالى ـ : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ، وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها ، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ. وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ).
٥ ـ وبعد أن أقام ـ سبحانه ـ هذه الأدلة المتعددة على وحدانيته وقدرته ، أتبع ذلك بأن أمر الناس باتباع الدين الحق ، وبالإنابة إليه ـ تعالى ـ فقال : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً