أى وهم ـ أى الروم ـ من بعد هزيمتهم من الفرس ، سينتصرون عليهم ، خلال بضع سنين.
والتعبير بقوله ـ تعالى ـ : (سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ) ، لتأكيد هذا الوعد ، وبيان أن نصر الروم على فارس سيتم خلال سنوات قليلة من عمر الأمم ، وقد تحقق هذا الوعد على أكمل صورة وأتمها ، فقد انتصر الروم على الفرس نصرا عظيما ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله ـ تعالى ـ حيث أخبر عن أمور ستقع في المستقبل ، وقد وقعت كما أخبر.
وقوله ـ سبحانه ـ : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) جملة معترضة لبيان قدرة الله ـ تعالى ـ التامة النافذة ، في كل وقت وآن. أى : لله ـ تعالى ـ وحده الأمر النافذ من قبل انتصار الفرس على الروم ، ومن بعد انتصار الروم على الفرس : وكلا الفريقين كان نصره أو هزيمته بإرادة الله ومشيئته ، وليس لأحد من الخلق أن يخرج عما قدره ـ سبحانه ـ وأراده.
(وَيَوْمَئِذٍ) أى : ويوم أن يتغلب الروم على الفرس (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) حيث نصر أهل الكتاب وهم الروم ، على من لا كتاب لهم وهم الفرس ، الذين كانوا يعبدون النار فأبطل ـ سبحانه ـ بهذا النصر شماتة المشركين في المسلمين ، وازداد المؤمنون ثباتا على ثباتهم.
قال ابن كثير : وقد كانت نصرة الروم على فارس ، يوم وقعة بدر ، في قول طائفة كبيرة من العلماء ... فلما انتصرت الروم على فارس ، فرح المؤمنون بذلك ، لأن الروم أهل كتاب في الجملة ، فهم أقرب إلى المؤمنين من المجوس (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) مؤكد لما قبله. أى : ينصر ـ سبحانه ـ من يريد نصره ، ويهزم من يريد هزيمته ، وهو ، العزيز الذي لا يغلبه غالب ، الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء.
ثم زاد ـ سبحانه ـ هذا الأمر تأكيدا وتقوية فقال : (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ).
ولفظ «وعد» منصوب بفعل محذوف.
أى : وعد الله المؤمنين بالنصر وبالفرح وعدا مؤكدا ، وقد اقتضت سنته ـ سبحانه ـ أنه لا يخلف وعده.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك ، لانطماس بصائرهم ، ولاستيلاء الجهل على عقولهم ، ولاستحواذ الشيطان عليهم.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٣١٠.