ثم بين ـ سبحانه ـ مظهرا من مظاهر قدرته فقال : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) كإخراجه الإنسان من النطفة ، والنبات من الحب ، والمؤمن من الكافر (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) كما في عكس هذه الأمور ، كإخراجه النطفة من الإنسان ، والحب من النبات ، والكافر من المؤمن.
(وَيُحْيِ الْأَرْضَ) بالنبات (بَعْدَ مَوْتِها) : أى : بعد قحطها وجدبها ، كما قال ـ سبحانه ـ : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ، وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) تذييل قصد به تقريب إمكانية البعث من العقول والأفهام. أى : ومثل هذا الإخراج البديع للنبات من الأرض ، وللحي من الميت ، نخرجكم ـ أيها الناس ـ من قبوركم يوم القيامة ، للحساب والجزاء.
ثم أورد ـ سبحانه ـ بعد ذلك أنواعا من الأدلة على قدرته التي لا يعجزها شيء ، فقال ـ تعالى ـ (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ، ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ).
والآيات : جمع آية ، وتطلق على الآية القرآنية ، وعلى الشيء العجيب ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) .. والمراد بها هنا : الأدلة الواضحة ، والبراهين الساطعة ، الدالة على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته.
والمعنى : ومن آياته ـ سبحانه ـ الدالة على عظمته ، وعلى كمال قدرته ، أنه خلقكم من تراب ، أى : خلق أباكم آدم من تراب ، وأنتم فروع عنه.
و «إذا» في قوله : (ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) هي الفجائية.
أى : خلقكم بتلك الصورة البديعة من مادة التراب التي لا يرى فيها رائحة للحياة ، ثم صرتم بعد خلقنا إياكم في أطوار متعددة ، بشرا تنشرون في الأرض ، وتمشون في مناكبها ، وتتقلبون فيها تارة عن طريق الزراعة ، وتارة عن طريق التجارة ، وتارة عن طريق الأسفار .. كل ذلك طلبا للرزق ، ولجمع الأموال.
وعبر ـ سبحانه ـ بثم المفيدة للتراخي ، لأن انتشارهم في الأرض لا يتأتى إلا بعد مرورهم بأطوار متعددة ، منها أطوار خلقهم في بطون أمهاتهم ، وأطوار طفولتهم وصباهم ، إلى أن يبلغوا سن الرشد.
قال الشوكانى : وإذا الفجائية وإن كانت أكثر ما تقع بعد الفاء ، لكنها وقعت هنا بعد ثم ، بالنسبة إلى ما يليق بهذه الحالة الخاصة ، وهي أطوار الإنسان ، كما حكاها الله ـ تعالى ـ في