شيء كانت أسهل عليه وأهون من إنشائها ، وتعتذرون للصانع إذا خطئ في بعض ما ينشئه بقولكم : أول الغزل أخرق ، وتسمون الماهر في صناعته معاودا ، تعنون أنه عاودها كرة بعد أخرى ، حتى مرن عليها وهانت عليه.
فإن قلت لم أخرت الصلة في قوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) وقدمت في قوله (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ)؟ قلت. هناك قصد الاختصاص وهو محزه ، فقيل : هو عليه هين ، وان كان مستصعبا عندكم أن يولد بين همل ـ أى : شيخ فان ـ وعاقر. وأما هنا فلا معنى للاختصاص ، كيف والأمر مبنى على ما يعقلون ، من أن الإعادة أسهل من الابتداء ، فلو قدمت الصلة لتغير المعنى ..» (١).
ومنهم من يرى أن أهون هنا بمعنى هين ، أى : إرجاعكم إلى الحياة بعد موتكم هين عليه.
والعرب تجعل أفعل بمعنى فاعل في كثير من كلامهم ، ومنه قول الشاعر :
إن الذي سمك السماء بنى لنا |
|
بيتا دعائمه أعز وأطول |
أى : بنى لنا بيتا دعائمه عزيزة طويلة ومنه قولهم : الله أكبر أى : كبير.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) .. أى : وله ـ سبحانه ـ الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله ، لا في السموات ولا في الأرض ، إذ لا يشاركه أحد في ذاته أو صفاته فهو ـ سبحانه ـ ليس كمثله شيء.
(وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي يغلب ولا يغلب (الْحَكِيمُ) في كل أقواله وأفعاله وتصرفاته.
وبعد هذا التطواف المتنوع في آفاق الأنفس ، وفي أعماق هذا الكون ، ضرب ـ سبحانه ـ مثلا لا مجال للجدل فيه ، لوضوحه واعتماده على المنطق السليم ، وأمر رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يمضى في طريقه المستقيم ، كما أمر المؤمنين بأن يلتجئوا إليه ـ سبحانه ـ وحده ، وأن يصونوا أنفسهم عن كل ما يغضبه ، فقال ـ تعالى ـ :
(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤٥٦.